الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُبَرِّحٍ، لا يَجْرَحُ لحمًا، ولا يَكْسِرُ عظمًا، وكذلك لا يَضْرِبُ وجهًا، ولا مَوْضِعَ مَهْلَكةٍ.
قال تعالى: {وَاللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34]؛ أيْ: إن تابتْ ورجعتْ للطَّاعةِ فلا تَسْلُكوا طريقًا لإيذائِهنَّ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا» ، إذا نَشَزَت المرأةُ على زوجِها فلم تَدْخُلْ في طاعتِه، فلا قَسْمَ لها ولا نفقةَ، فإذا عادتْ إلى الطَّاعةِ لم تَسْتَحِقَّ القضاءَ.
«فَصْلٌ»
فِي الخُلْع
الخُلْعُ في اللُّغَةِ: الانتزاعُ، ومنه: خَلَعَ الثَّوْبَ؛ أي: نَزَعَهُ، ولأنَّ كُلًّا مِن الزَّوجينِ لباسُ الآخَرِ، كما قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]؛ فكأنَّه بمفارَقةِ أحدِهِما للآخَرِ نَزَعَ لباسَه.
وفي الاصطلاحِ: افتراقُ الزَّوجينِ على عِوَضٍ.
والأصلُ في مشروعيَّتِه قبْلَ الإجماعِ قولُه تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]؛ أيْ: لا يَحِلُّ لكم أيُّها الأزواجُ أن تضاجِروا زوجاتِكم؛ ليفتدِينَ منكم بما أعطيتُمُوهنَّ من المهورِ أو ببعضِها، أمَّا إن وهبتِ
المرأةُ زوجَها شيئًا عن طِيبِ نفْسٍ منها، فلا حرجَ، قال تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]؛ أمَّا إذا تشاقَقَ الزَّوجانِ، ولم تَقُمِ المرأةُ بحقوقِ الرَّجلِ وأبْغَضَتْه ولم تقدِرْ على معاشرَتِه، فلها أن تفتدِيَ منه بما أعطاها، ولا حرجَ عليها في بذلِها، ولا عليه في قَبولِ ذلك؛ يَقولُ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: جاءتِ امرأةُ ثابتِ بنِ قيسِ بنِ شماسٍ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، ما أَنْقِمُ على ثابتٍ في دِينٍ ولا خُلُقٍ؛ إلا أني أخافُ الكفرَ في الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ، قالت: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عليه، وأَمَرَه ففارَقَها
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتَمْلِكُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ» ؛ أيْ: يَجوزُ الخُلْعُ على عِوَضٍ معلومٍ مقدورٍ على تسليمِه، وتَمْلِكُ المرأةُ به نَفْسَها فلا يَبقى للزَّوجِ عليها سلطانٌ؛ لأنَّها بذلتِ المالَ لتَمْلِكَ نفْسَها، فلا يَمْلِكُ الزَّوجُ وَلايةَ الرُّجوعِ في العِدَّةِ؛ إلَّا بنكاحٍ جديدٍ، ومَهرٍ جديدٍ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجُوزُ الْخُلْعُ فِي الطُّهْرِ وَفِي الْحَيْضِ» ، يَجوزُ الخُلعُ في الطُّهرِ سواءٌ جامَعَها فيه أمْ لا، كما أنَّه يَجوزُ -أيضًا- في الحيضِ؛ لأنَّها ببذلِها الفِداءَ لخلاصِها رضيتْ لنفْسِها بتطويلِ العِدَّةِ.
(1)
رواه البخاري (4973)، ومعنى:«أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ» ؛ أيْ: كُفرانَ العشيرِ، والتَّقصيرَ فيما يجبُ له بسببِ شدَّةِ البُغضِ له، فقد جاءَ في روايةِ ابنِ ماجه (2056):«لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا» .