الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها ببعضِ ما يخرجُ منها، بخلافِ الشجرِ؛ فإنه لا يمكنُ عقدُ الإجارةِ عليه، فجُوِّزت المساقاةُ للحاجةِ.
تنبيه: لو دفَع لشخصٍ أرضًا فيها نخلٌ كثيرٌ أو قليلٌ، فساقَاه عليه، وزارعَه على الأرض، فتجوزُ هذه المزارعةُ تبعًا للمساقاةِ، وتكونُ غلَّتُها في المزارعةِ للمالكِ؛ لأنَّه نماءُ ملكِه، وعليه للعاملِ أجرةُ مثلِ عملِه، وفي المخابرةِ للعاملِ؛ لأنَّ الزرعَ يتبعُ البذرَ، وعليه للمالكِ مثلُ أجرةِ الأرضِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِنْ أَكْرَاهُ إِيَّاهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ شَرَطَ لَهُ طَعَامًا مَعْلُومًا فِي ذِمَّتِهِ جَازَ» ؛ أي: إنْ أَكْرَاهُ الأرضَ للمزارعةِ بذهبٍ أو فضةٍ، أو شرَطَ له طعامًا معلومًا في ذِمَّتِه جاز؛ لحديثِ ثابتِ بنِ الضحاكِ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعةِ وأمرَ بالمؤاجرةِ، وقال:«لَا بَأْسَ بِهَا»
(1)
.
«فَصْلٌ»
في إحياءِ المَوَات
الإحياءُ في اللُّغةِ: جعْلُ الشَّيءِ حيًّا، والمَواتُ: ما لا رُوحَ فيه؛ والمرادُ به: الأرضُ التي لم تُعمَّرْ، ولا مالكَ لها.
وفي الاصطلاح: عمارةُ الأرضِ الخَرِبَةِ التي لا مالكَ لها، ولا ينتفعُ بها أحدٌ.
(1)
رواه مسلم (1549).
الأصلُ في مشروعيَّتِه حديثُ سعيدِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ»
(1)
.
وحديثُ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ جَائِزٌ بِشَرْطَيْنِ:
1 -
أَنْ يَكُونَ الْمُحْيِي مُسْلِمًا»، كلُّ مَن جاز له أن يتملَّكَ الأموالَ جاز له الإحياءُ، ويملِكُ به المُحيَا؛ لأنَّه ملكَ بفعلٍ، فأشبهَ الاصطيادَ والاحتطابَ، ولا فرقَ في حصولِ المِلكِ له بين أن يأذنَ الإمامُ أم لا؛ اكتفاءً بإذنِ سيدِ الأولينِ والآخرينِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويُشترطُ أن يكونَ المُحيِي مسلمًا، فلا يجوزُ الإحياءُ للكافرِ الذِّميِّ الذي يُقيمُ في دارِ الإسلامِ؛ لأنَّه نوعُ تمليكٍ ينافيه الكفرُ، كالإرثِ من المسلمِ.
2 -
«وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ حُرَّةً لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ» ،
(1)
رواه أبو داود (3073)، والترمذي (1378)، وقال:«هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقد رواه بعضُهم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا» ، وروى البخاري في «صحيحه» (2/ 822)؛ معلقًا بصيغةِ الجزمِ عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال:«مَن أحيَا أرضًا ميتةً فهي له» ، قال البخاري رحمه الله:«ويُروَى عن عمرَ وابنِ عوفٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ)، ويُروَى فيه عن جابرٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم» ، والمرادُ بـ «ابنِ عوفٍ» ؛ عمرُو بنُ عوفٍ المزنيُّ رضي الله عنه، وقولُه صلى الله عليه وسلم:«وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» ؛ «العرقُ» أربعةٌ: الغراسُ والبناءُ والنَّهرُ والبئرُ، والمرادُ أنه ليس لمن غرسَ أو بنَى أو شقَّ نهرًا أو حفر بئرًا في أرض غيره بدون إذنِه حقٌّ في إبقاءِ ما فعلَه لأنَّه ظالمٌ ومتعدٍّ على حقِّ غيرِه.
(2)
رواه البخاري (2210).
يُشترطُ في الأرضِ التي يرادُ تملُّكُها بالإحياءِ أن تكونَ حرَّةً؛ أي: لم يَجرِ عليها ملكٌ لمسلمٍ، فإن جرى ذلك حرُم التعرُّضُ لها بالإحياءِ وغيرِه؛ إلا بإذنٍ شرعيٍّ، ففي حديثِ سعيدِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»
(1)
.
ولا يجوزُ إحياءٌ في عرفةَ ولا المزدلفةِ ومنًى؛ لتعلُّقِ حقِّ الوقوفِ بالأولِ والمبيتِ بالآخرَيْنَ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَصِفَةُ الْإِحْيَاءِ: مَا كَانَ فِي الْعَادَةِ عِمَارَةً لِلْمُحْيَا» ، صفةُ الإحياءِ التي يُملَكُ به المواتُ شرعًا تختلفُ بحسبِ الغرضِ المقصودِ من الأرضِ، ويُرجَعُ فيها إلى العرفِ، والضابطُ: التهيئةُ للمقصودِ.
فإنْ أراد إحياءَ المواتِ مَسكنًا؛ اشْتُرِطَ فيه تحويطُ البقعةِ بآجُرٍّ أو لَبِنٍ أو قصبٍ بحسبِ عادةِ ذلك المكانِ، والمعتمدُ أنه لا يكتفى بالتحويطِ من غيرِ بناءٍ، بل لا بدَّ من البناءِ، ويُشتَرطُ سَقْفُ بعضِ الأرضِ؛ ليتهيأَ للسُّكنَى، ونصبُ بابٍ؛ لأنَّ العادةَ في المنازلِ أن يكونَ لها أبوابٌ، ولا تصلحُ الأرضُ للسُّكنَى بما دونَ ذلك.
وإن أراد إحياءَ المواتِ زريبةَ دوابَّ أو نحوَها، كحظيرةٍ لجمعِ ثمارٍ وغلَّاتٍ وغيرِها، فيُكتفَى بالتحويطِ بالبناءِ بحسبِ
(1)
رواه البخاري (2320)، ومسلم (1610).
العادةِ، ولا يُشترطُ سقْفُ شيءٍ؛ لأنَّ العادةَ فيها عدمُه، ولا بدَّ فيه من تركيبِ بابٍ مع البناءِ.
وإن أراد إحياءَ المواتِ مزرعةً، فيُطلَبُ جمعُ الترابِ حولَها، وتسويةُ الأرضِ، وترتيبُ ماءٍ لها بشقِّ ساقيةٍ من نهرٍ، أو بحفرِ بئرٍ أو قناةٍ أو نحوِها، إنْ لم يكفِها المطرُ المعتادُ.
وإن أراد إحياءَ المواتِ بُستانًا، فيُشترطُ جمعُ الترابِ حولَ الأرضِ كالمزرعةِ، والتحويطُ حيث جرت العادةُ به عملًا بها، وتهيئةُ ماءٍ كما تقرَّرَ في المزرعةِ، ويُشترطُ -أيضًا- في البستان غرسُ البعضِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجِبُ بَذْلُ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ:
1 -
«أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ» ، تجبُ التخليةُ بين الماءِ وبين طالبِه بشروطٍ ثلاثةٍ، الأولُ: أن يفْضُلَ عن حاجتِه لنفسِه وماشيتِه وشجرِه وزرعِه؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ»
(1)
.
ولحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه -أيضًا- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا
(1)
رواه البخاري (2230)، ومسلم (108)، وتمامُ الحديثِ:«وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ» ، ثمَّ قرأ هذه الآيةَ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].