الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبُهُ»
(1)
.
وعنه رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَلَا وَإِنَّ قَتِيلَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا»
(2)
.
وذلك لأنَّ شِبْهَ العمدِ متردِّدٌ بين العمدِ والخطإِ، فأُعْطِيَ حُكمَ العمدِ من وجهِ تغليظِها، وحكمَ الخطإِ من وجهِ كونِها على العاقلةِ.
«فَصْلٌ»
في شَرَائِطِ وُجُوبِ القِصَاص
القِصاصُ في اللُّغةِ: تَتَبُّعُ الأثرِ، يقالُ: قَصَصْتُ الأثرَ تَتَبَّعْتُه، ومن معانيه المماثَلةُ، يقالُ: أَقَصَّ السُّلطانُ فلانًا إقصاصًا؛ أي: قَتَلَه قَوَدًا، وأَقَصَّه من فلانٍ؛ أيْ: جَرَحَه مِثْلَ جُرْحِه، ثمَّ غَلَبَ استعمالُه في قتلِ القاتلِ، وجَرْحِ الجارحِ، وقطعِ القاطعِ.
وفي الاصطلاحِ: هو أن يُفْعَلَ بالجاني مِثْلُ ما فَعَلَ.
والأصلُ فيه قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178]، وقولُه تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
(1)
رواه أحمد (6718)، وأبو داود (4565).
(2)
رواه أحمد (6533)، وأبو داود (4547)، والنسائي (4791)، وابن ماجه (2627)، وابن حبَّان (6011).
وقال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: إنَّ الرُّبَيِّعَ بنتَ النَّضْرِ كسرت ثَنِيَّةَ جاريةٍ، فطلبُوا إليها العفوَ، فأبَوْا، فعرَضوا الأَرْشَ، فأبوْا، فأتوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبَوْا إلَّا القِصاصَ، فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ، فقال أنسُ بنُ النَّضرِ يا رسولَ اللهِ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟! لا والذي بَعَثَكَ بالحقِّ، لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُها، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ» ، فرضيَ القومُ، فعفَوْا، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَرْبَعَةٌ:
1،2 - أن يَكونَ الْقَاتِلُ بَالِغًا عَاقِلًا»، القِصاصُ في النَّفسِ يُشْتَرَطُ فيه أربعةُ شروطٍ، الأوَّلُ والثَّاني: أن يَكونَ القاتلُ بالغًا عاقلًا، فلا قِصاصَ على صبيٍّ ولا مجنونٍ؛ لحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ»
(2)
.
3 -
«وَأَنْ لَا يَكُونَ وَالِدًا لِلْمَقْتُولِ» ، الشَّرطُ الثَّالثُ من شرائطِ القِصاصِ في النَّفسِ أن لا يَكونَ القاتلُ أبًا للمقتولِ؛ لحديثِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ»
(3)
.
(1)
رواه البخاري (4230)، ومسلم (1675).
(2)
رواه أبو داود (4401)، وابن خزيمة (1003)، وابن حبَّان (143)، والحاكم (949)، وصحَّحه، وأقرَّه الذَّهبي.
(3)
رواه أحمد (147)، والترمذي (1400)، وابن ماجه (2662)، وصحَّح إسنادَه البيهقيُّ في «معرفة السُّنن والآثار» (15790).
ومثلُ الأبِ جميعُ الأصولِ، كالجَدِّ وإن علا.
4 -
«وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنَ الْقَاتِلِ بِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ» ، الشَّرطُ الرَّابعُ من شرائطِ القِصاصِ في النَّفسِ أن لا يَكونَ المقتولُ أَنْقَصَ من القاتلِ بكفرٍ أو رقٍّ؛ لحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قالَ:«مِنَ السُّنَّةِ أن لا يُقْتَلَ مؤمنٌ بكافرٍ، ومن السُّنَّةِ أن لا يُقْتَلَ حُرٌّ بعبدٍ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ» ، إذا اشترك جماعةٌ في قتلِ واحدٍ فإنَّهم يُقْتَلونَ جميعًا به؛ لحديثِ سعيدِ بنِ المسيَّبِ رحمه الله أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ نفرًا -خمسةً أو سبعةً- برَجلٍ واحدٍ، قتلوه غِيلةً، وقالَ:«لو تَمَالَأَ عليه أهلُ صنعاءَ لقتلتُهم جميعًا»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَكُلُّ شَخْصَيْنِ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ» ، سَبَقَ الكلامُ عَنْ أنَّ القِصاصَ هو المماثَلةُ، وكما تُعتبرُ المماثَلةُ في النَّفسِ تُعتبرُ في الأطرافِ، فمن لا يُقْتَلُ بشخصٍ لا يُقْطَعُ طَرَفُه بطرَفِه؛ لانتِفاءِ المماثَلةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي
(1)
رواه الدَّارقطني (3254).
(2)
رواه مالك في «الموطَّأ» (3246)، وأصله في «صحيح البخاري» (6/ 2526). و «تَمَالَأَ»؛ أي: تَواطَأَ.
الْأَطْرَافِ بَعْدَ الشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ اثْنَانِ: الاشْتِرَاكُ فِي الاسْمِ الْخَاصِّ؛ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى، وَأَنْ لَا يَكُونَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ شَلَلٌ»، شرائطُ وجوبِ القِصاصِ في الأطرافِ بعدَ الشَّرائطِ الأربعةِ المذكورةِ في قِصاصِ النَّفسِ اثنانِ، وهما الاشتراكُ في الاسمِ الخاصِّ للطَّرفِ المقطوعِ، فتُقْطَعُ اليدُ اليُمنى باليدِ اليُمنى، واليدُ اليُسرى باليدِ اليُسرى، وهكذا، ولا تُقْطَعُ يمنى بيسرى، ولا عَكْسُه؛ وكذلك يُشترطُ أن لا يَكونَ بأحدِ الطَّرَفينِ شللٌ، فلا تُقْطَعُ اليدُ الصَّحيحةُ باليدِ الشَّلَّاءِ، ولا عَكْسُه؛ لأنَّ من معنى القِصاصِ التَّماثلَ، ولا تماثُلَ بينَ اليمنى واليسرى من حيثُ المَنافعُ، وكذلك لا تماثُلَ بيْنَ الأشلِّ والصَّحيحِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَكُلُّ عُضْوٍ أُخِذَ مِنْ مَفْصِلٍ فَفِيهِ الْقِصَاصُ» ، كلُّ عضوٍ قُطِعَ من مَفْصِلٍ، كالكوعِ، والمَرْفِقِ، والرُّكبةِ، ففيه القِصاصُ؛ لانضباطِ ذلك مع الأمنِ من استيفاءِ الزِّيادةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا قِصَاصَ فِي الْجُرُوحِ إِلَّا فِي الْمُوضِحَةِ» ، لا قِصاصَ في الجروحِ في سائرِ البَدَنِ لعدمِ ضبطِها، وعدمِ أمنِ الزِّيادةِ والنُّقصانِ؛ إلَّا في الموضِحةِ -وهي الجُرْحُ الذي يَشُقُّ اللَّحمَ ويصلُ إلى العظمِ ويوضِحُه- لتيسُّرِ ضبطِها.
والشِّجاجُ عَشَرَةٌ: «حارصةٌ» ؛ وهي ما تَشُقُّ الجِلدَ قليلًا، و «داميةٌ» ؛ وهي التي تُدْمِيهِ، و «باضعةٌ» ؛ وهي التي تَقْطَعُ اللَّحمَ، و «مُتلاحمةٌ» ؛ وهي التي تَغُوصُ في اللَّحمِ، و «سِمْحَاقٌ» ؛ وهي التي تَبْلُغُ الجِلدةَ التي بينَ اللَّحمِ والعظمِ، و «مُوضِحَةٌ» ؛ وهي التي توضِحُ