الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأورعُ منهم، فإنْ فضَلَ شيءٌ كان للباقينَ، ومثالُ التسويةِ كقولِه: بشرطِ أنْ يُصرفَ لكلِّ واحدٍ منهم مائةُ درهمٍ، ومثالُ التَّفضيلِ كقولِه: بشرطِ أنْ يُصرفَ لزيدٍ مائةٌ ولعمرٍو خمسونَ.
«فَصْلٌ»
في الهِبَة
الهبةُ في اللُّغةِ: العطيةُ التي لم يسبقْها استحقاقٌ.
وفي الاصطلاحِ: تمليكُ عينٍ بلا عوضٍ حالَ الحياةِ تطوُّعًا.
والأصلُ في مشروعيتِها من الكتابِ قولُه تعالى: {وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} [النساء: 4]؛ أي: إنْ طابتْ أنفسُهن لكم عن شيءٍ من الصَّداقِ فوهبنَه لكم فكُلوه حلالًا طيبًا.
ومن السُّنةِ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أُتِي بطعامٍ سأل عنه، فإنْ قِيل: هديةٌ، أكلَ منها، وإنْ قِيل: صدقةٌ، لم يأكلْ منها»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ» ، كلُّ ما جاز بيعُه جازت هبتُه، وكلُّ ما لا يجوزُ بيعُه لا تجوزُ هبتُه؛ كالآبقِ والضَّالِّ والمجهولِ، نحوُ: وهبتُك أحدَ عَبيدِي؛ فلا يصحُّ، وتجوزُ هبةُ المشاعِ للشَّريكِ وغيرِه، وكذا تجوزُ هبةُ أرضٍ يزرعُها، وهبةُ الدَّينِ للمَدِينِ إبراءٌ، ولا يحتاجُ إلى قَبولٍ، ولغيرِه باطلٌ، ولو
(1)
رواه البخاري (2437)، ومسلم (1077).
وهب لفقيرٍ دينًا عليه بنيَّةِ الزَّكاةِ لم يقعْ عنها، ولو قال: تصدَّقت بمالي عليك برِئَ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ إِلَّا بِالْقَبْضِ» ، لا تخرجُ العينُ الموهوبةُ من مِلْكِ الواهبِ وتدخلُ في ملكِ الموهوبِ له قبلَ أن يقبضَها، وللواهبِ أنْ يرجِعَ عن الهبةِ قبل القبضِ، وقد دلَّ على ذلك حديثُ أم كلثومَ بنتِ أبي سلمةَ عن أمِّ سلمةَ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَّ مِنْ مِسْكٍ، وَلَا أَرَى النَّجَاشِيَّ إِلَّا قَدْ مَاتَ، وَلَا أَرَى إِلَّا هَدِيَّتِي مَرْدُودَةً عَلَيَّ، فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ فَهِيَ لَكِ» ، قالت: وكان كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورُدَّت عليه هديتُه، فأعطى كلَّ امرأةٍ من نسائِه أوقيَّةَ مسكٍ، وأعطى أمَّ سلمةَ بقيَّةَ المسكِ والحُلَّةَ
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا» ، يقولُ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَقِيءُ ثمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»
(2)
.
وروى طاوسٌ عن ابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ رضي الله عنهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ»
(3)
.
(1)
رواه أحمد (27317)، وابن حبَّان في «صحيحه» (5550)، والطبراني في «الكبير» (826)، وحسنه ابن حجر في «فتح الباري» (5/ 222).
(2)
رواه البخاري (2449)، ومسلم (1622).
(3)
رواه أبو داود (3539)، والترمذي (1299)، وقال:«هذا حديث حسن صحيح» .