الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا»؛ أي: جَمْعَ تقديمٍ؛ لحديثِ جابرِ بنِ يزيدَ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بالمدينةِ سبعًا، وثمانيًا؛ الظُّهْرَ والعصرَ، والمغربَ والعِشاءَ» ، فقالَ أيُّوبُ: لعلَّه في ليلةٍ مطيرةٍ؟ قال: عسى
(1)
.
ويُشْتَرطُ لهذا الجَمْعِ استدامةُ المطرِ أوَّلَ الصَّلاتينِ، ولا يكْفي وُجودُه في أثناءِ الأُولى منهما، بل لا بُدَّ مِن وجودِه عندَ السَّلامِ مِنَ الأُولَى؛ سواءٌ استمرَّ المطرُ بعدَ ذلك أمْ لا.
ويُشترطُ -أيضًا- أنْ تَكونَ الصَّلاةُ جماعةً بمسجدٍ بعيدٍ عُرفًا ويتأذَّى المسْلمُ بالمطرِ في طريقِهِ إليه.
ولا يَجوزُ جَمْعُهما في وقتِ الثَّانيةِ؛ لأنَّه ربَّما انقطعَ المطرُ، فيكونُ أَخْرَجَ الصَّلاةَ عن وقتِها بغيرِ عُذْر.
«فَصْلٌ»
في صلاةِ الجُمُعة
الأصلُ في وجوبِ صلاةِ الجُمعةِ قولُه تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجُمُعة: 9].
وما رواه مسْلمٌ عن ابنِ عمرَ وأبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أنَّهما سمِعا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ على أعوادِ مِنبرِه: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ
(1)
رواه البخاري (518)، ومسلم (705)، وأيُّوبُ، هو: السَّخْيتانيُّ، والمقولُ له: جابرُ بنُ زيدٍ.
الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ:
1 -
الْإِسْلَامُ»، فلا تَجِبُ على الكافِرِ.
2 -
«الْبُلُوغُ» ، فلا تَجِبُ على الصَّبيِّ.
3 -
«وَالْعَقْلُ» ، فلا تَجِبُ على المجنونِ، وهذه الشُّروطُ الثَّلاثةُ لغيرِ الجُمعةِ مِنَ الصَّلواتِ -أيضًا- وقد تَقَدَّمَ الكَلامُ عليها في أوَّلِ كتابِ الصَّلاةِ.
4 -
«وَالْحُرِّيَّةُ» ، فلا تَجِبُ على العبدِ المملوكِ؛ لحديثِ طارقِ بنِ شهابٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»
(2)
.
5 -
«وَالذُّكُورِيَّةُ» ، فلا تَجِبُ على المرأةِ؛ للحديثِ السَّابقِ.
6 -
«وَالصِّحَّةُ» ، فلا تَجِبُ على المريضِ؛ للحديثِ السَّابقِ.
7 -
«وَالِاسْتِيطَانُ» ، فلا تَجِبُ على المسافرِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال:«لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ»
(3)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَشَرَائِطُ فِعْلِهَا ثَلَاثَةٌ:
1 -
أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً»، تَنْعَقِدُ الجُمُعةُ في
(1)
«صحيح مسلم» (705)، وقولُه صلى الله عليه وسلم:«وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ» ؛ أي: تَرْكِهِم.
(2)
رواه أبو داود (1067)، والحاكم (1062)، وصَحَّحه، وأَقَرَّه الذَّهبي.
(3)
رواه الطَّبرانيُّ في «المعجم الأوسط» (818)، عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما مرفوعًا، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (5429)، موقوفًا، وقال:«هذا هو الصَّحيحُ؛ موقوفٌ» ، قلتُ: وله حكمُ الرَّفعِ؛ إذ لا يُقالُ من قِبَلِ الرأيِ.
الأمصارِ، والقرى المجتمِعةِ البناءِ، ووجهُ اشتراطِ ذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه رضي الله عنهم لم يُصَلُّوها إلَّا هكذا، وكانت قبائلُ الأعرابِ مُقِيمينَ حَوْلَ المدينةِ وما كانوا يُصَلُّونها، ولم يَأْمُرْهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بها، ولو جازت في غيرِ ذلك لفُعِلَتْ ولو مَرَّةً، ولو فُعِلَتْ لنُقِلَ.
يقولُ عطاءٌ رحمه الله: «إذا كنتَ في قريةٍ جامعةٍ فنُودِيَ بالصَّلاةِ من يومِ الجُمُعةِ؛ فحقٌّ عليك أنْ تَشْهَدَها، سَمِعْتَ النِّداءَ أو لم تَسْمَعْه»
(1)
.
2 -
«وَأَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْجُمَعَةِ» ؛ لحديثِ كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ أَوَّلَ مَن جَمَّعَ بهم أسعدُ بنُ زُرارةَ رضي الله عنه، وكانوا يَوْمَئِذٍ أربعينَ
(2)
.
وقالَ عُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ رحمه الله: «كلُّ قريةٍ فيها أَرْبعونَ رجلًا فعليهم الجمعةُ»
(3)
.
وقالَ أبو المَليحِ الرَّقِّيُّ رحمه الله: أتانا كتابُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ: «إذا بَلَغَ أهلُ القريةِ أربَعِينَ رجلًا فَلْيُجَمِّعُوا»
(4)
.
3 -
«وَأَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ عُدِمَتِ الشُّرُوطُ؛ صُلِّيَتْ ظُهْرًا» ، من شروطِ صحَّةِ الجمعةِ أنْ تَقَعَ في
(1)
«صحيح البخاري» (1/ 306).
(2)
رواه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1082)، وابنُ خُزيمةَ (1724)، وابن حبَّان (7013)، والحاكم (1039)، وصَحَّحه، وأَقَرَّه الذَّهبي.
(3)
رواه الشَّافعيُّ في «مُسندِه» (386).
(4)
رواه البيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (5400).
الوقتِ، ووقتُها وقتُ الظُّهرِ، لما جاءَ في حديثِ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم:«كانَ يصلِّي الجُمُعةَ حينَ تَميلُ الشَّمسُ»
(1)
.
أيْ: تَميلُ إلى جهةِ الغربِ، وتَزولُ عن وَسَطِ السَّماءِ، وهو وقتُ صلاةِ الظُّهرِ؛ كما سَبَقَ، وكذلك حديث سلمةَ بنِ الأكوعِ رضي الله عنه قال:«كنَّا نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الجُمعةَ، ثمَّ نَنْصَرِفُ وليس للحيطانِ ظلٌّ نستظلُّ فيه»
(2)
.
وفي روايةٍ: «كنَّا نُجَمِّعُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا زالتِ الشَّمسُ، ثم نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الفَيْءَ»
(3)
.
وقال سهلُ بنُ سعدٍ رضي الله عنه: «ما كنَّا نَقِيلُ ولا نتغدَّى إلَّا بعدَ الجُمُعةِ»
(4)
.
فإنْ خَرَجَ الوقتُ أو ضاقَ عنها بحيثُ لم يبقَ منه ما يكفي خُطْبَتَيْها ورَكْعَتَيْها، أو عُدِمتِ الشُّروطُ أو بعضُها؛ كأنْ فُقِدَ العددُ، أو الاستيطانُ؛ صُلِّيَتْ ظُهرًا.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَفَرَائِضُهَا ثَلَاثَةٌ:
1 -
خُطْبَتَانِ يَقُومُ فِيهِمَا»؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُما»
(5)
.
(1)
رواه البخاري (862).
(2)
رواه البخاري (3935)، ومسلم (860).
(3)
«صحيح مسلم» (860).
(4)
رواه البخاري (897)، ومسلم (859).
(5)
رواه البخاري (886).
وأركانُ الخُطبةِ خمسةٌ؛ وهي: حَمْدُ اللهِ تعالى، والصَّلاةُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والوصيَّةُ بالتَّقوى، وقراءةُ آيةٍ في إحدى الخُطْبَتَيْنِ، والدُّعاءُ للمؤْمنينَ والمؤْمناتِ في الخُطبةِ الثَّانيةِ
(1)
.
2 -
«وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا» ، للحديثِ السَّابقِ، ولحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما -أيضًا- أنَّه قال:«كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قائمًا، ثمَّ يَقْعُدُ، ثمَّ يَقومُ؛ كما تَفْعَلونَ الآنَ»
(2)
.
3 -
«وَأَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ» ؛ لحديثِ عمرَ رضي الله عنه قال: «صلاةُ الجُمُعةِ ركعتانِ
…
على لسانِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»
(3)
.
وكونُها في جماعةٍ؛ لحديثِ طارقِ بنِ شهابٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ»
(4)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَهَيْئَاتُهَا أَرْبَعُ خِصَالٍ:
1 -
الْغُسْلُ وَتَنْظِيفُ الْجَسَدِ»؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ»
(5)
.
2 -
«وَلُبْسُ الثِّيَابِ الْبِيضِ» ؛ لحديثِ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبِيَاضَ، فَإِنَّهَا أَطْهَرُ
(1)
«روضة الطَّالبين» (1/ 529).
(2)
رواه البخاري (878)، ومسلم (861).
(3)
رواه أحمد (257)، والنسائي (1420)، وابن ماجه (1064)، وابنُ خُزيمةَ (1425)، وابن حبَّان (2783).
(4)
رواه أبو داود (1067)، والحاكم (1062)، وصَحَّحه، وأَقَرَّه الذَّهبي.
(5)
رواه البخاري (837)، ومسلم (844).
وَأَطْيَبُ»
(1)
.
3 -
«وَأَخْذُ الظُّفُرِ» ؛ لحديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم «كانَ يُقَلِّمُ أظفارَه، ويَقُصُّ شاربَه يومَ الجُمعةِ قبلَ أنْ يَخْرُجَ إلى الصَّلاةِ»
(2)
.
4 -
«وَالطِّيبُ» ؛ لحديثِ سَلمانَ الفارسيِّ رضي الله عنه قال: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى»
(3)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيُسْتَحَبُّ الْإِنْصَاتُ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ» ، للحديثِ السَّابقِ، ولحديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ»
(4)
.
وفي روايةٍ: «وَمَنْ لَغَا فَلَيْسَ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ شَيْءٌ»
(5)
.
(1)
رواه أحمد (20231)، والترمذي (2810)، والنسائي (1896)، وابن ماجه (3567)، وقال الترمذي:«هذا حديثٌ حسنٌ صحيح» .
(2)
رواه البَزَّارُ (8291)، والطَّبرانيُّ في «الأوسط» (842)، وقال الهيثميُّ في «المَجْمَع» (2/ 384):«رواه البَزَّارُ والطَّبرانُّي في الأوسطِ، وفيه: إبراهيمُ بنُ قُدامةَ، قال البَزَّارُ: ليس بحُجَّةٍ إذا تَفَرَّدَ بحديثٍ، وقد تَفَرَّدَ بهذا، قلتُ: ذَكَرَه ابن حبَّان في الثِّقاتِ» .
(3)
رواه البخاري (843).
(4)
رواه البخاري (892)، ومسلم (851)، واللَّغوُ ما لا يَحْسُنُ منَ الكلامِ.
(5)
رواه أبو داود (1051)، وفيه راوٍ لم يُسَمَّ.