الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيرةٌ، ويَخَافُ المشتري أنْ يكونَ المبيعُ مستحقًّا أو معيبًا أو غيرَ ذلك كما سبق، ولا يظفرَ بالبائعِ، فيفوتَ عليه ما بذله من الثَّمَنِ، فاحتاج إلى التوثيقِ بذلك.
«فَصْلٌ»
في الكَفَالَة
الكفالةُ في اللُّغةِ: الضمُّ والالتزامُ، ومنه قولُه تعالى:{وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]؛ أي: أمرَه أنْ يَضُمَّها إليه، وألزمَهُ برعايتِها.
وفي الاصطلاحِ: الالتزامٌ بإحضارِ بدنِ مَن عليه حقٌّ مِن مالٍ أو عينٍ أو عقوبةٍ تتعلَّقُ بحقِّ آدميٍّ.
والفرقُ بين الضَّمانِ والكفالةِ أنَّ الضَّمانَ الالتزامُ بإحضارِ الحقِّ، والكفالةُ الالتزامُ بإحضارِ الذي عليه الحقُّ، فالكفالةُ أدنى من الضَّمانِ؛ لأنَّها متعلقةٌ بالبدنِ لا بالمالِ، فإذا أحضرَ الكفيلُ المكفولَ وسلَّمه لصاحبِ الحقِّ فقد برِئ منه، سواءٌ وفَّاه أو لم يُوَفِّه.
والأصلُ في مشروعيتها من الكتاب قوله تعالى حكايةً عن يعقوبَ عليه السلام عندما طلب منه أبناؤُه أنْ يرسلَ معهم أخاهم الصغيرَ فقال: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: 66]، والموثِقُ الكفيلُ، فامتنعَ يعقوبُ عليه السلام من إرسالِ ولدِه مع إخوتِه إلَّا بكفيلٍ.
ومن السنَّةِ حديثُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رَجُلًا لَزِمَ غَرِيمًا له
بِعَشَرةِ دنانيرَ، فقال: ما عندي شيءٌ أعطيكَه، فقال: لا واللهِ لا أفَارِقُكَ حتَّى تَقْضِيَنِي، أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ، فجرَّه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«كَمْ تَسْتَنْظِرُه؟» ، فقال: شهرًا، فقال صلى الله عليه وسلم:«فَأَنَا أَحْمِلُ لَهُ» ، فجاءه بِقَدْرِ ما وَعَدَهُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ؟» ، قال: مِن مَعْدِنٍ، فقال صلى الله عليه وسلم:«فَاذْهَبْ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ» ، وقضاها عنه
(1)
.
والكفالةُ بالبدنِ مما تمسُّ إليه الحاجةُ، فقد يشتري إنسانٌ سلعةً هو في حاجةٍ إليها، ولا يجدُ الثَّمَنَ، ولا يطئمنُّ البائعُ إليه فلا يرضى بإنظارِه، فيحتاجُ في هذه الحالِ إلى كفيلٍ، وقد يستقرضُ مالًا هو في حاجةٍ إليه، ويطلبُ المقرِضُ كفيلًا، وقد يقعُ في جنايةٍ يُعاقَبُ عليها، وهو بعيدٌ عن بلدِه، وعليه حقوقٌ وتَبِعاتٌ يُضطرُّ إلى أجَلٍ للقيامِ بها، فيحتاجُ إلى مَن يكفلُه حتى يذهبَ ويعودَ، وقد يُضطرُّ إنسانٌ إلى استعارةِ عينٍ، ولا يرضى صاحبُها بإعارتِها له إلا بكفيلٍ يضمنُ له ردَّها سالِمةً، وقد تكونُ في يدِه عينٌ مغْصوبةٌ، يحتاجُ إلى أجلٍ لإحضارِها، فيأبى صاحبُها أنْ يفلتَه إلا بكفيلٍ، وهكذا، فالمصلحةُ في تشريعِ الكفالةِ واضحةٌ،
(1)
رواه أبو داود (3328)، وابن ماجه (2406)، والحاكم (2161)، وصححه، وأقره الذهبي، و «الحميلُ»؛ أي: الكفيلُ. وردُّه صلى الله عليه وسلم للذَّهبِ الذي استخرجَه المكفولُ من المعدنِ، وقولُه له:«لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ» ؛ لأنَّ الذي تحمَّله صلى الله عليه وسلم عنه كان دنانيرَ مضروبةً، والذي جاء به كان ذهبًا غيرَ مضروبٍ، وليس بحضرتِه صلى الله عليه وسلم من يضربُه دنانيرَ، وإنما كانت تُحْمَلُ الدَّنَانِيرُ إليهم من بلادِ الرومِ، وأوَّلُ من ضربَ الدَّنَانِيرَ في الإسلامِ هو عبدُ الملكِ بنُ مروانَ، كما في «معالم السنن» للخطابي (3/ 55).