الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا»
(1)
.
وفي روايةٍ: «وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ»
(2)
.
وقولُه: «إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» ؛ كأن يَكونَ في موضعِ الدَّعوةِ من يَتَأَذَّى بحضورِه، أو من لا يَليقُ به مُجالَستُه، كالأراذلِ والسِّفلةِ، أو يكونَ في موضعِ الدَّعوةِ مُنْكَرٌ لا يستطيعُ تغييرَه.
«فَصْلٌ»
في عِشْرَةِ النِّسَاء
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالتَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَاجِبَةٌ» ، القَسْمُ: مصدرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ؛ أيْ: جَزَّأْتُه، والمرادُ به هنا العدلُ والتَّسويةُ بينَ الزَّوجاتِ في المبيتِ، حتى لو كانَ بالمرأةِ عذرٌ مِن مرضٍ أو حيضٍ أو نحوِ ذلك؛ لأنَّ المقصودَ الأُنْسُ لا الوطءُ، فيَجعلُ لكلِّ زوجةٍ يومًا وليلةً، وعِمَادُ القَسْمِ اللَّيلُ، والنَّهارُ تابعٌ له؛ وذلك لأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ اللَّيلَ سَكنًا، والنَّهارَ للتَّردُّدِ في المَصالِحِ، وهذا حُكمُ غالبِ النَّاسِ، أمَّا مَن يَعملُ ليلًا، كالحارسِ ونحوِه؛ فعمادُ قَسْمِه النَّهارُ، واللَّيلُ تابعٌ له.
والاقتصارُ في القَسْمِ على اللَّيلةِ أفضلُ من الزِّيادةِ عليها؛ اقتداءً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكي يَقْرُبَ عَهْدُه بهنَّ، ويَجوزُ ليلتانِ وثلاثٌ
(1)
رواه البخاري (4878)، ومسلم (1429).
(2)
رواه مسلم (1432).
بغيرِ رِضَاهُنَّ، ولا تَجوزُ الزِّيادةُ عليها بغيرِ رضاهُنَّ؛ لئلَّا يؤدِّيَ إلى المهاجَرةِ والإيحاشِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ الْمَقْسُومِ لَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ» ؛ لا يَدْخُلُ الزوجُ على الزوجةِ الغيرِ مقسومٍ لها نهارًا لغيرِ حاجةٍ؛ لما فيه من إبطالِ حقِّ صاحبةِ النَّوبةِ، فإن فَعَلَ وطالَ مُكْثُهُ لَزِمَه لصاحبةِ النَّوبةِ القضاءُ بقدرِ ذلك من نَوبةِ المدخولِ عليها، أمَّا دخولُه لحاجةٍ كوضعِ متاعٍ، أو أخذِه، أو تسليمِ نفقةٍ، أو تعريفِ خَبرٍ؛ فجائزٌ ولا يقضي؛ لأنَّ النَّهارَ تابعٌ، تقولُ عائشةُ رضي الله عنها:«قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَرَسُولُ اللهِ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا»
(1)
.
أمَّا اللَّيلُ فَيَحْرُمُ الدُّخولُ على غيرِ صاحبةِ النَّوبةِ، ولو لحاجةٍ؛ إلَّا للضَّرورةِ القصوى، كمرضِها المَخُوفِ، فإن طالَ مُكثُه عُرفًا قضى من نَوبةِ المدخولِ عليها مِثلَ مُكثِه؛ لأنَّ حَقَّ الآدميِّ لا يَسقطُ بالعذرِ.
فإذا دَخَلَ لغيرِ حاجةٍ وقَصُرَ مُكثُهُ عُرفًا لم يَقْضِ؛ لكنَّه يأثمُ، وقد جاءَ في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»
(2)
.
وفي روايةٍ: «إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ
(1)
رواه أحمد (24809)، وأبو داود (2135).
(2)
رواه أبو داود (2133).
يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ»
(1)
؛ أيْ: أحدُ جنبيهِ مفلوجٌ مشلولٌ -والعياذُ باللهِ-.
وقد كانَ يُطافُ بالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم محمولًا في مرضِه -الذي ماتَ فيه- على نسائِه كلَّ يومٍ وليلةٍ، حتَّى أَذِنَ له أزواجُه رضي الله عنهن أن يَكونَ حيثُ شاءَ، فكانَ في بيتِ عائشةَ رضي الله عنها حتَّى قَبَضَه اللهُ تعالى ورَأْسُه صلى الله عليه وسلم بين سَحْرِها ونَحْرِها
(2)
.
فإذا ساوى الرَّجلُ بينَ زوجاتِه في المبيتِ والكسوةِ والنَّفقةِ والأمورِ الظَّاهرةِ؛ لم يؤاخَذْ بزيادةِ ميلِ قلبِه إلى بعضِهِنَّ، قال اللهُ تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129]؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: رضي الله عنهما {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} ؛ أيْ: «فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ»
(3)
.
قال أبو بكرِ بنُ العربيِّ رحمه الله: «وصَدَقَ؛ فإنَّ ذلك لا يَمْلِكُه أحدٌ؛ إذْ قلبُه بينَ إصبعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ، يُصْرِّفُه كيفَ يشاءُ، وكذلك الجماعُ فإنَّه قد ينشطُ للواحدةِ ما لا ينشطُ للأخرى، فإذا لم يكنْ ذلك بقصدٍ منه فلا حَرَجَ عليه فيه، فإنَّه مما لا يستطيعُه
(1)
رواه الترمذي (1141)، والحاكم (2759)، وصحَّحه، وأقرَّه الذَّهبي.
(2)
رواه البخاري (4185)، ومسلم (2443). والنَّحرُ: موضعُ القلادةِ، والسَّحرُ: الرِّئةُ؛ أيْ: إنَّه صلى الله عليه وسلم توفِّيَ وهو مستندٌ إلى صدرِها رضي الله عنها.
(3)
رواه البيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (14517).
فلم يَتَعَلَّقْ به تكليفٌ»
(1)
.
وقولُه تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: رضي الله عنهما «لَا مُطَلَّقَةٌ، وَلَا ذَاتُ بَعْلٍ»
(2)
.
وقولُه تعالى: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} ؛ أيْ: إن تَعْدِلوا في قَسْمِكم بينَ الزَّوجاتِ، وما فَرَضَ اللهُ لهنَّ عليكم من المبيتِ، والكسوةِ، والنَّفقةِ، والعِشرةِ بالمعروفِ، ونحوِ ذلك من الأمورِ الظَّاهرةِ؛ فإنَّ اللهَ يَغْفِرُ لكم ما دونَ ذلك ممَّا لا يَدْخُلُ فى اختياركِم، كالحُبِّ وزيادةِ الإقبالِ ونحوِ ذلك.
تقولُ عائشةُ رضي الله عنها كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، ويقولُ:«اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ»
(3)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ وَخَرَجَ بِالَّتِي تَخْرُجُ لَهَا الْقُرْعَةُ» ؛ لحديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ»
(4)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا تَزَوَّجَ جَدِيدَةً خَصَّهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَبِثَلَاثٍ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا» ؛ لحديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه
(1)
«أحكام القرآن» (1/ 523).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (16687).
(3)
رواه أبو داود (2134)، وقال:«(فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ)؛ يعني: القلبَ» .
(4)
رواه البخاري (2453)، ومسلم (2770).
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا خَافَ نُشُوزَ الْمَرْأَةِ وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبَتْ إِلَّا النُّشُوزَ هَجَرَهَا، فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ هَجَرَهَا وَضَرَبَهَا» ، إذا ظَهَرَ من المرأةِ أماراتُ النُّشوزِ سواءٌ كانَ بالقولِ، كأن تجيبَه بكلامٍ خشنٍ بعد أن كانَ بِلِينٍ، أو بالفعلِ كأن يَجِدَ منها إعراضًا وعُبوسًا بعدَ لطفٍ وطلاقةِ وجهٍ، وَعَظَها بالكلامِ كأن يقولَ لها:«اتَّقِي اللهَ في الحقِّ الواجبِ لي عليكِ واحذري العقوبةَ» ، فلعلَّها تُبدي عذرًا أو تتوبُ مما وَقَعَ منها بغيرِ عذرٍ، ويَحْسُنُ أنْ يَبَرَّهَا ويستميلَ قلبَها، ويُذَكِّرَها بمثلِ حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:«إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»
(2)
.
وحديثِ أمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ، وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ، دَخَلَتِ الْجَنَّةَ»
(3)
.
فإن أبتِ المرأةُ مع وَعْظِه لها إلا النُّشوزَ، هَجَرَها في المَضْجَعِ؛ أيْ: تَرَكَ مضاجعتَها في الفِراشِ.
فإن أقامت على النُّشوزِ بعدَ الوعظِ والهجرِ، ضرَبَها ضربًا غيرَ
(1)
رواه البخاري (4915)، ومسلم (1461).
(2)
رواه البخاري (4898)، ومسلم (1436).
(3)
رواه الترمذي (1161)، وابن ماجه (1854)، والحاكم (7328)، وصحَّحه، وأقرَّه الذَّهبي.