الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعطاءِ مع القدرةِ، وله تعجيزُ نفسِه ولو مع القدرةِ على الكسبِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلِلْمُكَاتَبِ التَّصَرَّفُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ» ، للمكاتبِ التصرُّفُ فيما في يدِه من المالِ الحاصلِ من كسبِه، كبيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ، أمَّا ما كان فيه تبرُّعٌ، كصدقةٍ أو كان فيه خطرٌ كقرضٍ، فلا بدَّ فيه من إذنِ سيدِه، نعم ما تُصُدِّقَ به عليه من نحوِ لحمٍ وخُبزٍ مما العادةُ فيه أكلُه وعدمُ بيعِه له إهداؤُه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ» ، يجبُ على السيدِ أنْ يحطَّ عن مُكاتِبِه من مالِ الكتابةِ ما يستعينُ به على العتقِ، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33].
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يَعْتِقُ إِلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ بَعْدَ الْقَدْرِ الْمَوْضُوعِ عَنْهُ» ، لا يَعْتِقُ المكاتبُ إلَّا بعدَ أداءِ جميعِ المالِ الباقِي بعدَ القدرِ الموضوعِ عنه؛ لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ»
(1)
.
«فَصْلٌ»
في أحكام أمهات الأولاد
هذا الفصلُ يُعَبِّرُ عنه الفقهاءُ بـ «أحكامِ الاستيلادِ» .
والاستيلادُ في اللُّغة: طلبُ الولدِ.
(1)
رواه أبو داود (3926)، والترمذي (1260).
وفي الاصطلاحِ: عتقٌ بسببِ حمْلِ الأمةِ من سيدِها وولادتِها.
والأصلُ في مشروعيتِه حديثُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ، فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ»
(1)
.
فأيُّما رجلٍ وطِئ أمتَه فحمَلت منه ثُمَّ ولدَت، فإنَّها يُقالُ لها:«أمُّ ولدٍ» ، ولا يجوزُ بيعُها ولا رهنُها ولا هبتُها، وتكونُ مُعتقَةً بعدَ وفاتِه، ويُقَدَّمُ عتقُها على الديونِ والوصايَا.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا أَصَابَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ، فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا، وَهِبَتُهَا، وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ» ، إذا وطِئَ السيدُ أمتَه فحمَلت منه ثُمَّ وضعت حملَها، سواءٌ وضعتْه حيًّا أو ميتًا، وسواءٌ كان مكتملَ الخِلقةِ أو لم يكتملْ، حرمُ عليه بيعُها ورهنُها وهبتُها مع بُطلانِ ذلك -أيضًا-، وله استخدامُها، وإجارتُها، ووطؤُها، وتزويجُها، وإنْ ولدَت من غيرِ سيدِها فللمولودِ حكمُها يَعتِقُ معها بموتِ سيدِها، يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضي الله عنهما:«نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا بَدَا لَه، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا» ، إذا مات السيدُ عتقَتْ أمُّ ولدِه من رأسِ
(1)
رواه أحمد (2759)، وابن ماجه (2515).
(2)
رواه الدارقطني (4250).
مالِه قبلَ دفعِ الدُّيونِ التي عليه، والوصايَا التي أوصَى بها، ودليلُه الحديثُ السابقُ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ بِمَنْزِلَتِهَا» ، ولدُ أمِّ الولدِ سواءٌ كان من السيدِ، أو من غيرِه بمنزلتِها، فيصبحُ حرًّا مثلَها بعدَ موتِ السيدِ؛ لأنَّ الولدَ تبعٌ لأمِّه في الحريَّةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَنْ أَصَابَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ، فَالْوَلَدُ مِنْهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا، وَإِنْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ فَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ» ، مَن وطِئَ أمةَ غيرِه بنكاحٍ، فولدَت منه، فولدُه منها مملوكٌ لسيدِها؛ لأنَّ الولدَ تبَعٌ لأمِّه، ومَن وطِئَها بشبهةٍ، كظنِّه أنَّها أمتُه أو زوجتُه الحرَّةُ، فولدُه منها حرٌّ، وعليه قيمتُه وقتَ الولادةِ للسيدِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِنْ مَلَكَ الْأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ» ، إذا تزوَّجَ رجلٌ أمةً ثُمَّ طلقَها، ثُمَّ تملَّكَها بعدَ ذلك من سيدِها؛ لم تصِرْ أمَّ ولدٍ بما ولدتْه منه بالوطءِ في النِّكاحِ؛ لأنَّها كانت مملوكةً لغيرِه، أمَّا إذا وطِئَها بشبهةٍ على أنَّها أمتُه أو زوجتُه الحرَّةُ فهناك قولانِ:
الأولُ: أنَّها تصيرُ أمَّ ولدٍ لتعلُّقِها منه بِحُرٍّ، والعُلُوقُ بالحرِّ سببٌ للحريَّةِ بالموت.
والثاني: أنَّها لا تصيرُ أمَّ ولدٍ؛ لأنها تعلَّقت به وهي في غيرِ ملكه.
والقول الثاني هو الراجحُ -إن شاء اللهُ تعالى- وهو أنها لا تصير أم ولد ما لم يطأْها وتضعُ منه بعدَ ملكِه لها، واللهُ تعالى أعلمُ، وصلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
* * *