الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ» ؛ لحديثِ نافعٍ أنَّ ابنَ عمرَ رضي الله عنهما قال: «يَتَيَمَّمُ لكلِّ صلاةٍ وإنْ لم يُحْدِثْ»
(1)
.
«فَصْلٌ»
في بيانِ النَّجاساتِ وإزالتِهَا
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَكُلُّ مَائِعٍ خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ إِلَّا الْمَنِيَّ» ، كلُّ مائعٍ خَرَجَ مِنَ السَّبيليْنِ مُعتادًا كانَ كالبولِ والغائطِ، أو نادرًا، كالدَّمِ والقَيْحِ؛ نَجِسٌ؛ لحديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: أتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الغائطَ فأمَرَني أنْ آتِيَهُ بثلاثةِ أحجارٍ، فوجدتُ حَجَرَيْنِ، والتمستُ الثَّالثَ فلم أَجِدْهُ، فأخذتُ رَوْثَةً، فأتيتُه بها، فأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وألقى الرَّوثةَ، وقال:«هَذَا رِكْسٌ»
(2)
.
ولحديثِ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ أعرابيًّا بالَ في المسجِدِ، فقامَ إليه بعضُ القومِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«دَعُوهُ وَلَا تُزْرِمُوهُ» ، قال: فلمَّا فَرَغَ دعا بدلوٍ مِن ماءٍ فصَبَّه عليه
(3)
.
ولحديثِ عليٍّ رضي الله عنه قال: كنتُ رجلًا مَذَّاءً، فاستحييتُ أنْ أسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأمرتُ المِقْدادَ بنَ الأسودِ فَسَأَلَه، فقال:«يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ»
(4)
.
(1)
رواه البيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (994)، وقال:«إسنادُه صحيح» .
(2)
رواه البخاري (155).
(3)
رواه البخاري (5679)، ومسلم (284).
(4)
رواه البخاري (266)، ومسلم (303)، وقولُه:«مَذَّاءٌ» : كثيرُ خروجِ المَذْيِ، وهو ماءٌ أصفرُ رقيقٌ يَخْرُجُ عندَ ثورانِ الشَّهوةِ، بسببِ الملاعَبَةِ والتقبيلِ ونحوِ ذلك، وفي حكمِه الوَدْيُ، وهو ماءٌ أبيضُ ثخينٌ يخرجُ عقيبَ البولِ أو عندَ حملِ شيءٍ ثقيلٍ.
فدَلَّتْ هذه الأحاديثُ على نجاسةِ الأشياءِ المذكورةِ، لغَسْلِهِ صلى الله عليه وسلم لها أو الأمرِ بغَسْلِها أو التَّصريحِ بنجاسَتِها، ويُقاسُ ما لم يُذْكَرْ فيها ممَّا يَخْرُجُ مِنَ السَّبيلَيْنِ، على ما ذُكِرَ.
وقولُهُ: «إِلَّا الْمَنِيَّ» ؛ أيْ: إلَّا المَنيَّ فإنَّه طاهرٌ، وليس بنَجِسٍ؛ لحديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالت:«لقد رأيتُني أَفْرُكُهُ مِن ثوبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فيصلِّي فيه»
(1)
، فلو كانَ نجِسًا لم يَكْفِ فَرْكُه.
وأمَّا روايةُ الغَسلِ، وهي قولُ عائشةَ رضي الله عنها: كنتُ أَغْسِلُ الجنابةَ مِن ثوبِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَخْرُجُ إلى الصَّلاةِ وإنَّ بُقَعَ الماءِ في ثَوْبِه»
(2)
، فمحمولةٌ على النَّدْبِ والاستحبابِ.
(3)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ
وَاجِبٌ، إِلَّا بَوْلَ الصَّبِيِّ الَّذي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ»، سَبَقَ الكلامُ على الأبوالِ والأرواثِ، وأمَّا بولُ الصَّبِيِّ الَّذي لم يَأْكُلِ الطَّعامَ؛ فإنَّه يَطْهُرُ بِرَشِّ الماءِ عليه؛ فلحديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في بولِ الغلامِ الرَّضيعِ:«يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ»
(1)
.
ولحديثِ أُمِّ قيسِ بنتِ مِحْصَنٍ رضي الله عنها: «أنَّها أتتْ بابنٍ لها صغيرٍ لم يَأْكُلِ الطَّعامَ إلى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجْلَسَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حِجْرِهِ، فبالَ على ثَوْبِه، فدعا بماءٍ، فَنَضَحَه ولم يَغْسِلْه»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلَّا الْيَسِيرَ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ» ، كَدَمِ البراغيثِ، ونحوِه؛ ممَّا تَعُمُّ به البلوى ويَشُقُّ الاحترازُ منه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ؛ إِذَا وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ وَمَاتَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ» ؛ أي: لا دَمَ لها سائلٌ؛ كذُبابٍ ونحلٍ؛ لحديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً»
(3)
.
(1)
رواه أحمد (563)، وأبو داود (377)، والترمذي (610)، وابن ماجه (525)، وقال الترمذي:«هذا حديثٌ حسن» .
(2)
رواه البخاري (221)، ومسلم (287)، ونَضَحَهُ: أي رشَّه.
(3)
رواه البخاري (3142).
ووجهُ الاستدلالِ: أنَّه لو كانَ يُنَجِّسُه لم يَأْمُرْ بِغَمْسِه، ويُقاسُ على الذُّبابِ كلُّ ما في معناه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ إِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا» ؛ أيْ: جميعُ الحيواناتِ طاهرةُ العينِ حالَ الحياةِ، إلَّا الكلبَ والخِنزيرَ؛ لأنَّ كلًّا منهما نَجِسُ العينِ؛ لقولِه تعالى:{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، وللحديثِ الآتي، والذي فيه الأمرُ بالتَّطهيرِ مِن وُلوغِ الكلبِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْمَيْتَةُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إِلَّا السَّمَكَ، وَالْجَرَادَ، وَالْآدَمِيَّ» ، أيْ جميعُ المَيْتاتِ نَجِسَةٌ إلا ما اسْتُثْنِيَ، وطهارةُ مَيْتَةِ السَّمكِ والجرادِ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما:«أُحِلَّتْ لكم مَيْتتانِ ودَمَانِ، فأمَّا المَيْتتانِ، فالحوتُ والجرادُ، وأمَّا الدَّمَانِ، فالكَبِدُ والطِّحالُ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَيُغْسَلُ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ مَرَّةً تَأْتِي عَلَيْهِ، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ» ، غَسْلُ الإناءِ مِن وُلوغِ الكلبِ سبعَ مرَّاتٍ؛ لحديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ
(1)
رواه أحمد (5723) وابن ماجه (3314) عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما مرفوعًا، ورواه البيهقيُّ في «السُّننِ الكبرى» (18776) موقوفًا على ابنِ عمرَ، وقال:«هذا هو الصَّحيحُ» ، وهو في حكمِ المرفوعِ.