الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَةٌ»؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: «اقْتَتَلَتِ امرأتانِ من هُذَيْلٍ، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتْها وما في بطنِها، فاختصمُوا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقضى أنَّ دِيَةَ جنينِها غُرَّةٌ، عبدٌ أو وَليدةٌ»
(1)
.
وقُدِّرت الغُرَّةُ بخمسٍ من الإبلِ، قال ابنُ الملقِّنِ رحمه الله:«جَعَلَ الصَّحابةُ قِيمةَ ذلك خمسًا من الإبلِ وهو عُشرُ دِيةِ أُمِّه»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَدِيَةُ الْجَنِينِ الرَّقِيقِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ» ، دِيةُ الجنينِ الرَّقيقِ -ذَكرًا كانَ أو أُنثى- عُشرُ قِيمةِ أمِّه؛ قياسًا على الجنينِ الحُرِّ.
«فَصْلٌ»
في أحكامِ القَسَامة
القَسامةُ في اللُّغةِ: مأخوذةٌ من القَسَمِ، وهو اليمينُ، يقالُ: أَقْسَم قَسَمًا وَقَسَامَةً؛ أي: حَلَفَ حَلِفًا.
وفي الاصطلاحِ: هي الأيمانُ تُقْسَمُ علي أولياءِ القتيلِ إذا ادَّعَوُا الدَّمَ.
والأصلُ في مشروعيَّتِها حديثُ سهلِ بنِ أبي حثمةَ رضي الله عنه قالَ: انْطَلقَ عبدُ اللهِ بنُ سهلٍ، ومُحَيِّصَةُ بنُ مسعودِ بنِ زيدٍ إلى خَيْبَرَ،
(1)
رواه البخاري (5426)، ومسلم (1681)، والغُرَّةُ: بياضُ الوجهِ، عَبَّرَ به عن الجسمِ الذي يدفعُ ديةً عن الجنينِ إذا سَقَطَ مَيِّتًا؛ إطلاقًا للجزءِ على الكلِّ، والوليدةُ؛ أيِ: الأمَةُ المملوكةُ.
(2)
«التَّوضيح لشرح الجامع الصحيح» (30/ 508).
وهي يومئذٍ صُلْحٌ، وأهلُها يهودٌ، فتَفَرَّقَا لحاجتِهِما، فأتى مُحَيِّصَةُ إلى عبدِ اللهِ بنِ سهلٍ وهو يَتَشَحَّطُ في دمِه قتيلًا، فدَفَنَه ثمَّ قَدِمَ المدينةَ، فانطلَقَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ سهلٍ ومُحَيِّصَةُ وحُوَيِّصَةُ ابنا مسعودٍ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبَ عبدُ الرَّحمنِ يَتكلَّمُ فقال صلى الله عليه وسلم:«كَبِّرْ كَبِّرْ» ، وهو أَحْدَثُ القومِ فَسَكَتَ فتكلَّما فقال صلى الله عليه وسلم:«تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ» ، قالوا: وكيف نحلِفُ ولم نَشْهَدْ ولم نَرَ؟! قال صلى الله عليه وسلم: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ، فقالوا: كيفَ نَأْخُذُ أيمانَ قومٍ كفَّارٍ؟ فعَقَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من عندِه
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى الدَّمِ لَوْثٌ يَقَعُ بِهِ فِي النَّفْسِ صِدْقُ الْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا، وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوْثٌ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» ، إذا اقْتَرَنَ بدعوى القتلِ عندَ الحاكمِ لوْثٌ -والمرادُ به قرينةٌ حاليَّةٌ أو
(1)
رواه البخاري (3002)، ومسلم (1669)، وقولُه:«يَتَشَحَّطُ» ؛ أيْ: يَتَمَرَّغُ ويَضْطَرِبُ، وقولُه:«فذهبَ عبدُ الرَّحمنِ ليتكلَّمَ» ؛ لأنَّه أخو المقتولِ، ومحيِّصةُ وحويِّصةُ أولادُ عمِّه، وهما أكبرُ سنًّا منه، فلمَّا أرادَ عبدُ الرَّحمنِ أن يَتَكَلَّمَ، قال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«كَبِّرْ كَبِّرْ» ؛ أيْ: ليتكلَّمْ من هو أكبرُ منك، وحقيقةُ الدَّعوى إنَّما هي لأخيه عبدِ الرَّحمنِ، ولا حقَّ فيها لابنَيْ عمِّه، وإنَّما أمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَتكلَّمَ الأكبرُ وهو حويِّصةُ؛ لأنَّه لم يكنِ المرادُ بكلامِه حقيقةَ الدَّعوى، بل سماعَ صورةِ القصَّةِ، وكيف جرت، فإذا أرادَ حقيقةَ الدَّعوى تَكَلَّمَ صاحبُها، وقولُه صلى الله عليه وسلم:«وَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ» ؛ أي: يَثْبُتُ حقُّكم على من حَلَفْتُم عليه، وقولُه صلى الله عليه وسلم:«فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ؛ أيْ: يخلِّصونَكم من اليمينِ؛ بأن يحلِفوا، فإذا حَلَفوا انتهت الخصومةُ ولم يَثْبُتْ عليهم شيءٌ، وقولُه:«فَعَقَلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من عندِه» ؛ أي: أعطى عَقْلَه، وهو دِيَتُه، كما جاءَ في الرِّوايةِ الأخرى:«فودَاهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من قِبَلِهِ كراهةَ إبطالِ دَمِه» .
مقاليَّةٌ، كأن يوجَدَ قتيلٌ في قريةٍ أو محلَّةٍ بيْنَه وبيْنَ أهلِها عداوةٌ، وليس فيهم غيرُهم، أو يَشْهَدَ عدلٌ واحدٌ، أو من لا تُقْبَلُ شهادتُهم في الجناياتِ، كنسوةٍ وصِبيانٍ؛ أنَّ فلانًا قَتَلَ فلانًا، فيَقَعُ بهذا اللَّوْثِ في النَّفسِ صِدْقُ المدَّعي- حَلَفَ هذا المدَّعي خمسين يمينًا واسْتَحَقَّ الدِّيةَ، وليس له المطالَبةُ بالقِصاصِ؛ لضَعْفِ حُجَّةِ القَسامةِ والاحتياطِ في أمرِ الدِّماءِ، فإن لم يَكُنْ هناك لَوْثٌ حَلَفَ المدَّعى عليه خمسين يمينًا، ولا يَلْزَمُه شيءٌ؛ لأنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّتِه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ كَفَّارَةٌ، عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» ؛ لقولِه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].
فمن قَتَلَ مؤمنًا على سبيلِ الخطإِ المحضِ، أو عمدِ الخطإِ؛ أيْ: شِبْهِ العمدِ؛ فعليه إعتاقُ رقبةٍ مؤْمنةٍ، وكذلك عليه دِيةٌ مؤدَّاةٌ إلى ورثةِ المقتولِ؛ إِلَّا إذا عفا الورثةُ عن القاتلِ فأسْقَطوا الدِّيةَ، فإن كانَ المقتولُ مؤْمِنًا وقومُه كفَّارًا أعداءً وهم المحارِبونَ فإنَّما على قاتلِه الكفَّارةُ فقط دونَ الدِّيةِ؛ لئلَّا يستعينوا بها على المسْلمينَ، وإِن كانَ المقتولُ من قومٍ كفرةٍ بيْنَهم وبيْنَ المسْلمينَ
عهدٌ كأهلِ الذِّمَّةِ فعلى قاتلِه دِيَةٌ تُدْفَعُ إلى أهلِه لأجلِ معاهَدَتِهم، ويَجِبُ -أيضًا- على القاتلِ إِعتاقُ رقبةٍ مؤْمنةٍ، فمن لم يَجِدِ الرَّقبةَ فعليه صيامُ شهرينِ متتابعينِ عِوضًا عنها.
وأمَّا وجوبُها في قتلِ العمدِ المحضِ فلحديثِ واثلةَ بنِ الأسقعِ رضي الله عنه قالَ: أتينا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في صاحبٍ لنا أَوْجَبَ -يعني النَّارَ- بالقتلِ، فقال:«أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقِ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ»
(1)
.
ولا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ إلا بالعمدِ، فدَلَّ على مشروعيَّةِ الكفَّارةِ فيه.
واللهُ تعالى أَعْلَمُ.
(1)
رواه أبو داود (3964)، وابن حبَّان (4307)، والحاكم (2843)، وصحَّحه، وأقرَّه الذَّهبي.