الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فَصْلٌ»
في أحكامِ الحَضَانَةِ
الحَضانةُ في اللُّغةِ: مأخوذةٌ من الحِضْنِ، وهو ما بين اليدينِ من الصَّدرِ، وحَضَنَتِ المرأةُ صبيَّها إذا جَعَلَتْه في حِضْنِها أو رَبَّتْه، والحاضنُ والحاضنةُ الموكَّلانِ بالصَّبيِّ يَحفظانِه ويُرَبِّيانِه.
وفي الاصطلاحِ: حِفْظُ مَنْ لا يَسْتَقِلُّ بأمورِه، وتربيتُه بما يُصْلِحُه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَهِيَ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، ثُمَّ يُخَيَّرُ بِينَ أَبَوَيْهِ، فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ سُلِّمَ إِلَيْهِ» ، إذا فارقَ الرَّجُلُ زوجتَهَ بطلاقٍ أو فسخٍ أو لِعانٍ وله منها ولدٌ لا يميِّزُ؛ ذَكرًا كانَ أو أُنثى فهي أحقُّ بحضانتِه لوفورِ شفقتِها، ومؤنةُ الحضانةِ على مَن عليه نفقةُ الطِّفلِ، وإذا امتنعتِ الزَّوجةُ من حضانةِ ولدِها، انتقلت الحضانةُ لأمَّهاتِها، وتستمرُّ حضانةُ الزَّوجةِ إلى مُضيِّ سبعِ سنينَ؛ لأنَّ التَّمييزَ يقعُ فيها غالبًا، ثمَّ بعدَها يُخَيَّرُ بيْنَ أبويه، فأيَّهُما اختارَ سُلِّمَ إليه؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ غلامًا بينَ أبيه وأمِّه»
(1)
.
وفي روايةٍ أنَّ امرأةً جاءت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ زوجي يريدُ أن يَذْهَبَ بابني، وقد سقاني من بئرِ أبي عنبةَ، وقد نفعَني، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اسْتَهِمَا عَلَيْهِ» ، فقال
(1)
رواه الترمذي (1357)، وابن ماجه (2351)، وقال الترمذي:«حديثٌ حسنٌ صحيح» .
زوجُها: مَن يُحَاقُّنِي في ولدِي؟! فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ» ، فأخذَ بيدِ أمِّه، فانطلقتْ به
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَشَرَائِطُ الْحَضَانَةِ سَبْعَةٌ:
1 -
الْعَقْلُ»، فلا تَجوزُ الحضانةُ لمجنونةٍ؛ لأنَّها لا يتأتَّى منها الحفظُ والتَّعهُّدُ.
2 -
«وَالْحُرِّيَّةُ» ، فلا تَجوزُ لمن بها رِقٌّ؛ لأنَّها مشغولةٌ بخدمةِ سيِّدِها.
3 -
«وَالدِّينُ» ، فلا تَجوزُ الحضانةُ لكافرةٍ على مسلمٍ؛ إذْ لا وَلايةَ لها عليه، ولأنَّها ربَّما فَتَنَتْه في دِينِه.
4 -
«وَالْعِفَّةُ» ، فلا تَجوزُ الحضانةُ لفاسقةٍ غيرِ عفيفةٍ؛ لأنَّ المحضونَ غالبًا يَنشأُ على طريقتِها.
5 -
«وَالْأَمَانَةُ» ، فلا تَجوزُ الحضانةُ لفاسقةٍ خائنةٍ؛ لما في الحضانةِ من معنى الوَلايةِ، ومقصودُها الأعظمُ الأمانةُ.
6 -
«وَالْإِقَامَةُ» ، في بلدِ المحضونِ فلو أرادَ أحدُ أبويه سفَرًا فالمقِيمُ أَوْلى به مميِّزًا كانَ أو لا حتَّى يَعودَ المسافرُ؛ لخطرِ السَّفرِ.
7 -
«وَالْخُلُوُّ مِنْ زَوْجٍ» ؛ لحديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جَدِّهِ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءته امرأةٌ فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ
(1)
رواه أبو داود (2277)، والنسائي (3496)، و «بئرُ أبي عنبةَ»؛ هي: بئرٌ على بُعدِ ميلٍ من المدينةِ، وهي تعني: أنَّ ولدَها قد كَبِرَ، وأصبحَ يستطيعُ القيامَ بما ينفعُها، بعد أن قامت بتربيتِه حيثُ كان صغيرًا لا ينفعُها بشيءٍ، و «اسْتَهِمَا»؛ أيِ: اقترِعا، و «يحاقُّني»؛ أي: يخاصمُني.
ابني هذا كانَ بطني له وِعاءٌ، وثديي له سِقاءٌ، وحِجري له حِواءٌ، وإنَّ أباه طلَّقَني وأرادَ أن يَنْزِعه منِّي، فقال صلى الله عليه وسلم:«أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «فَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ سَقَطَتْ» ، إن اختلَّ شرطٌ واحدٌ من الشُّروطِ السَّبعةِ سقطت الحضانةُ؛ لأنَّ علَّةَ استحقاقِها مركَّبةٌ من هذه الصِّفاتِ، فتنتفي بانتفاءِ جزءٍ منها، كالصَّلاةِ المستجمِعةِ للشُّروطِ، تصحُّ بوجودِها كلِّها، ولو انتفى منها شرطٌ واحدٌ بَطَلَتْ.
واللهُ تعالى أَعْلَمُ.
(1)
رواه أحمد (6707)، وأبو داود (2276)، والحاكم (2830)، وصحَّحه، وأقرَّه الذَّهبيّ.