الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فَصْلٌ»
في محظوراتِ الإحرام
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ:
1 -
لُبْسُ الْمَخِيطِ»؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: ما يلبسُ المحرمُ من الثِّيابِ؟ فقال: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»
(1)
.
2 -
«وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ مِنَ الرَّجُلِ، وَالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ» ، يَحْرُمُ على الرَّجلِ تغطيةُ رأسِه حالَ إحرامِه؛ لحديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرمٍ ناقتُهُ فقتلته، فَأُتِيَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال:«اغْسِلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ»
(2)
.
وأمَّا المرأةُ؛ فلحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا
(1)
رواه البخاري (1468)، ومسلم (1177)، و «القمُص»: جمعُ قميصٍ، و «السَّراويلات»: جمعُ سراويل وهي ما يسترُ النِّصفَ الأسفلَ من الجسمِ مِنَ الثيابِ المخِيطةِ، و «البرانس»: جمعُ بُرْنُس، وهو كلُّ ثوبٍ ملتصقٍ به غطاءُ الرأسِ، و «الخفاف»: جمعُ خفٍّ، وهو حذاءٌ يسترُ القدمَ، و «الزَّعفرانُ»: نبتٌ صِبغيٌّ، و «الوَرْسُ»: نبتٌ أصفرُ يُصبغُ به.
(2)
رواه البخاري (1742)، وقوله:«وَقَصَت» ؛ أي: كسَرت رقبتَه، و «يُهِلُّ»؛ أي: يرفعُ صوتَه بالتلبيةِ على الحالةِ التي مات عليها. وقد جاء في رواية مسلم (1206): «فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» .
تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ»
(1)
.
فالمرأةُ تفارقُ الرَّجلَ فيكونُ إحرامُها في وجهِها، وإحرامُ الرَّجُلِ في رأسِه، وللمرأةِ إذا أرادت سَتْرَ وجهِها مِنَ الرِّجالِ أنْ تُرْخِيَ جلبابَها أو بعضَ خمارِها أو غيرَ ذلك من ثيابِها من فوقِ رأسِها وتُجافِيه عن وجهِها حتى تُغطيَ وجهَها، كما يجوزُ لها سَتْرُ يدَيْها بغيرِ القُفَّازَيْنِ؛ كَكُمِّ الجِلبابِ ونحوِه.
3 -
«وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ» ، وهو محمولٌ على ما إذا علِمَ أنَّ التَّسريحَ ينتفُ الشَّعر؛ لتلبُّدٍ ونحوِه.
4 -
«وَحَلْقُهُ» ؛ لقولِه تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]؛ أي: مكانَ ذبحِه، وهو منًى يومَ النَّحرِ.
5 -
«وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ» ؛ قياسًا على الشَّعرِ، ولما فيه من الترفُّهِ.
6 -
«وَالطِّيبُ» ؛ لحديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحرمٍ ناقتُهُ فقتلته، فَأُتِيَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:«اغْسِلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ»
(2)
.
7 -
«وَقَتْلُ الصَّيْدِ» ؛ لقولِه تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]؛ أي: مُحرِمِينَ.
(1)
رواه البخاري (1741)، و «تتنقب»: تغطِّي وجهَها، و «القُفَّازين»: تثنيةُ قُفَّاز، وهو ما يُلبَسُ في اليدين، ويُزَرُّ على السَّاعدين.
(2)
رواه البخاري (1742)، وقوله:«وقصت» : أي: كسَرت رقبتَه، و «يُهل»: أي: يرفعُ صوتَه بالتلبيةِ على الحالةِ التي مات عليها. وقد جاء في رواية مسلم (1206): «فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» .
8 -
«وَعَقْدُ النِّكَاحِ» ؛ لحديثِ عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ»
(1)
.
9 -
«وَالْوَطْءُ» ؛ لقولِه تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، والرَّفثُ: الجِمَاع، ويُطلقُ على مقدِّماتِه من المُباشرةِ ونحوِها.
10 -
«وَالْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ» ؛ للآيةِ السابقةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَفِي جَمِيعِ ذَلَكَ الْفِدْيَةُ إِلَّا عَقْدَ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ» ؛ أي: لا يصحُّ، فلا يجبُ فيه شيءٌ؛ لأنَّه لم يحصلْ به المقصودُ، وسيأتي الكلامُ عنِ الفديةِ قريبًا.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا يُفْسِدُهُ إِلَّا الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ» ، فيجبُ عليه أنْ يستمرَّ في حجِّه، ويتمَّه وإنْ كان فاسدًا؛ لقولِه تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196]، ويجبُ مع ذلك القضاءُ ولو كان الحجُّ تطوعًا، يقولُ مَالِكٌ رحمه الله: إنَّه بلغَه، أن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَه وهو مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ؟ فقالوا: يَنْفُذانِ يمضِيان لوجهِهما حتى يقضِيا حَجَّهُمَا، ثمَّ عَلَيْهِما حَجُّ قَابِلٍ، وَالْهَدْيُ»، وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالبٍ رضي الله عنه:«وَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامِ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا»
(2)
.
(1)
رواه مسلم (1409).
(2)
«الموطأ» (1126)، وقوله:«أصاب أهلَه» ؛ أي: جامَعَ زوجتَه، و «ينفذان»؛ أي: يستمرَّان في أعمال الحج، و «قابِلٍ»؛ أي: العامِ التالي لعامِه الذي أفسَدَ فيه حجَّه، وأماَّ «الهَدْيُ» فسيأتي بيانُه في الفصلِ التالي إن شاء اللهُ تعالى.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ» ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ؛ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ»
(1)
.
وجاء هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه يومَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ؛ كُنَّا نُرَى أَنَّ هذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ:«اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ، فَطُفْ أَنْتَ، وَمَنْ مَعَكَ، وَانْحَرُوا هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثمَّ احْلِقُوا، أَوْ قَصِّرُوا، وَارْجِعُوا، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا، وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ»
(2)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِي بِهِ» ؛ أي: غيرَ الوقوفِ بعرفةَ، وأمَّا عرفةُ فقد سبقَ حكمُه، فأركانُ الحجِّ لا تُجبرُ بدمٍ، بل يتوقفُ الحجُّ عليها؛ لأنَّ ماهيَّةَ الحجِّ لا تحصُلُ إلا بجميعِ أركانِه، وقد لزِمَه الحجُّ بالشُّروعِ، فلا يتحلَّلُ منه حتى يأتيَ بالأركانِ؛ وغيرُ الوقوفِ بعرفةَ ليس له وقتٌ محدَّدٌ، فيمكنُ الإتيانُ به.
(1)
رواه الدارقطني (2518)، وقال:«رحمة بن مصعب ضعيف ، ولم يأت به غيرُه» .
(2)
رواه مالك في «الموطأ» (1134).