الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولُه رضي الله عنه: «حَيضتينِ» ؛ أيْ: يَتَقَدَّمُها طُهْرانِ، وإنَّما تُكْمِلُ القُرءَ الثَّانيَ إلى نزولِ الحيضةِ الثَّانيةِ؛ لتعذُّرِ تبعيضِ الطُّهرِ؛ إذْ لا يُعْرَفُ نِصْفُه إلا بظهورِ كلِّه، فلا بدَّ من الانتظارِ إلى أن يَعودَ الدَّمُ.
«فَصْلٌ»
في أنواعِ المعتدَّةِ وأحكامِها
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» ، يجبُ للمعتدَّةِ الرَّجعيَّةِ السُّكنى والنَّفقةُ؛ لحديثِ فاطمةَ بنتِ قيسٍ رضي الله عنها أنَّها أتتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّ زوجي أَرْسَلَ إليَّ بطلاقي، وإنِّي سألتُ أهلَه النَّفقةَ والسُّكنى فأَبَوْا عليَّ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّه قد أَرْسَلَ إليها بثلاثِ تطليقاتٍ، فقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجِبُ لِلْبَائِنِ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا» ، يجبُ للمعتدَّةِ البائنِ الحائلِ السُّكنى دونَ النَّفقةِ؛ لقولِه تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]، فإذا كانتِ البائنُ حاملًا وَجَبَتْ لها النَّفقةُ حتَّى تَضَعَ الحملَ؛ لقولِه تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ
(1)
رواه أحمد (27385)، والنسائي (3403)، وقولُهم:«إنَّه قد أَرْسَلَ إليها بثلاثِ تطليقاتٍ» ؛ ليس معناه أنَّه طلَّقها ثلاثًا بلفظٍ واحدٍ، بل طلَّقها ثلاثَ طلقاتٍ متفرِّقاتٍ، كما جاءَ في الرِّوايةِ الأخرى عندَ النسائي (3222)، وفيها:«وأَرْسَلَ إليها بتطليقةٍ هي بقيَّةُ طلاقِها» .
حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6].
ويَحْرُمُ على الزَّوجِ مُساكَنةُ المعتدَّةِ في الدَّارِ التي تَعْتَدُّ فيها ومداخَلتُها؛ لأنَّه يؤدِّي إلى الخَلوةِ، وخَلوتُه بها كخَلوتِه بالأجنبيَّةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْإِحْدَادُ وَهُوَ الامْتِنَاعُ مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ» ، الإحدادُ في اللُّغةِ: المنعُ، وهو مأخوذٌ من الحَدِّ، ومنه الحدودُ الشَّرعيَّةُ؛ لأنَّها تَمْنَعُ وتَرْدَعُ عن المعصيةِ، ولذلك يُقالُ للبوَّابِ: حدَّادٌ؛ لأنَّه يَمْنَعُ النَّاسَ من الدُّخولِ، وأمَّا الإحدادُ في الاصطلاحِ: فهو المنعُ من الزِّينةِ.
ودليلُ وجوبِ الإحدادِ على من تُوُفِّيَ عنها زوجُها؛ حديثُ أُمِّ حبيبةَ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»
(1)
.
وحديثُ أمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ»
(2)
.
وقالت أمُّ عطيَّةَ رضي الله عنها: «كنا نُنْهَى أن نُحِدَّ على ميِّتٍ فوقَ
(1)
رواه البخاري (1221)، ومسلم (1486).
(2)
رواه أحمد (26623)، وأبو داود (2304)، والنسائي (3535)، وابن حبَّان (2093)، و «الْمُعَصْفَرُ»؛ أيِ: المصبوغُ بالعُصْفُرِ، وهو نبتٌ معروفٌ يُصْبَغُ به، و «الْمُمَشَّقَةُ»؛ أيِ: المصبوغةُ بالمِشْقِ، وهو الطِّينُ الأحمرُ الذي يسمَّى مغرةً، والأمغرُ في الخيلِ: الأشقرُ.
ثلاثٍ؛ إلَّا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعَشْرًا، ولا نَكْتَحِلُ، ولا نتطيَّبُ، ولا نَلْبَسُ مصبوغًا إلا ثوبَ عصبٍ، وقد رُخِّصَ لنا عندَ الطُّهرِ إذا اغتسلت إحدانا من محيضِها في نُبذةٍ من كستِ أظفارٍ»
(1)
.
فعلى المعتدَّةِ المتوفَّى عنها زوجُها الامتناعُ من الاكتحالِ، واستعمالِ الطِّيبِ، ولُبسِ المصبوغِ الذي يُقْصَدُ به الزِّينةُ، كثوبٍ أصفرَ أو أحمرَ، ويباحُ لُبسُ مصبوغٍ لا يُقْصَدُ به الزِّينةُ، وكذلك يجبُ عليها الامتناعُ من الحليِّ، والخِضابِ، ونحوِ ذلك، ويَحِلُّ لها التَّنظُّفُ بغسلِ رأسٍ، وقَلْمِ أظفارٍ، واستحدادٍ، ونتفِ إِبْطٍ، وإزالةِ وسخٍ، والامتشاطُ بلا ترجيلٍ بدُهْنٍ ونحوِه، ويَجوزُ بسِدْرٍ ونحوِه؛ لأنَّ ذلك ليس من الزِّينةِ الدَّاعيةِ إلى الوطءِ، وكذلك يَحِلُّ لها دخولُ حمَّامٍ، إن لم يكنْ فيه خروجٌ محرَّمٌ، ولو ترَكَتِ الإحدادَ الواجبَ عليها كُلَّ المُدَّةِ أو بَعْضَها أَثِمَتْ، وانقضت عِدَّتُها مع الإثمِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَعَلَى الْمُتَوَفَّي عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمَبْتُوتَةِ مُلَازَمَةُ الْبَيْتِ إِلَّا لِحَاجَةٍ» ، ويجبُ على المتوفَّى عنها زوجُها والمبتوتةِ ملازَمةُ البيتِ الذي كانت فيه عندَ الفُرقةِ مدَّةَ
(1)
رواه البخاري (307)، ومسلم (938). وقولُها رضي الله عنها:«نُحِدُّ» ؛ من الإحدادِ وهو الامتناعُ عن الزِّينةِ، و «ثوبُ عصبٍ» ؛ نوعٌ من الثِّيابِ اليمنيَّةِ يُعْصَبُ غزلُها -أيْ يُجْمَعُ- ويُصْبَغُ قبْلَ أن يُنْسَجَ، و «نُبذةٌ» ؛ قطعةٌ صغيرةٌ، و «كستُ أظفارٍ» ؛ نوعٌ من الطِّيبِ، القطعةُ منه على شكلِ الظُّفرِ، رُخِّصَ فيه للمغتسلةِ من الحيضِ لإزالةِ الرَّائحةِ الكريهةِ تَتبَّعُ به أثرَ الدَّمِ لا للتَّطيُّبِ.