الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ، فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوِّمَ المَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»
(1)
.
والمرادُ أنَّ المعتقَ إذا لم يكنْ موسِرًا عتقَ نصيبُه، وتُرِك العبدُ ليعملَ ويتكسبَ قيمةَ باقِيه، ثُمَّ يدفعُها إلى الشركاءِ؛ حتى يصبحَ حرًّا بالكليةِ.
قال أبوشُجاعٍ رحمه الله: «وَمَنْ مَلَكَ وَاحِدًا مِنْ وَالِدَيْهِ أَوْ مَوْلُودَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ» ، مَن ملكَ أحدَ أصولِه مهما علَو كجَدِّه أوجَدتِه، أو فروعِه مهما نزلوا كابنِ ابنِه أوبنتِ ابنِه؛ أصبح حرًّا فورَ تملُّكِه له؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ»
(2)
.
والمرادُ: أنَّه لا يقومُ ولدٌ بما لِوالدِه عليه من الحقِّ إلَّا أنْ يصادفَه مملوكًا فيشتريَه، فيكونُ شراؤُه له سببًا لعتقِه، فيعتقُ بنفسِ الشِّراءِ، ولا يحتاجُ إلى لفظِ العتقِ، وقِيس على الشراءِ غيرُه من أسبابِ الملكِ، كالهبةِ والميراثِ وغيرِها، وقِيس بالأصولِ الفروعُ بجامعِ البعضيةِ؛ أي: إن الولدَ الذي هو الفرعُ بعضُ الوالدِ الذي هو الأصلُ، فكما أنَّ الأصلَ لا يملكُه فرعُه، فكذلك الفرعُ لا يملكُهُ أصلُه.
«فَصْلٌ»
في أحكامِ الوَلَاء
الولاءُ في اللُّغةِ: النُّصرةُ، وكذلك الولايةُ -بالفتحِ والكسرِ- ومن أسماءِ اللهِ تعالى الوليُّ، وهو النَّاصرُ، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11].
(1)
رواه البخاري (2360)، ومسلم (1503)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«شَقِيصًا» ؛ أي: نصيبًا، وقوله:«فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ» ؛ أي: أداءُ قيمةِ باقيه؛ ليتخلصَ منَ الرِّقِّ نهائيًّا. وقولُه: «اسْتُسْعِي غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ؛ أي: أُلزِمَ العبدُ أن يتكسبَ قيمةَ باقيه، ولا يشددْ عليه في ذلك إذا عجز عن الاكتسابِ، بل يبقى باقيه مملوكًا.
(2)
رواه مسلم (1510).
وفي الاصطلاحِ: عصوبةٌ سببُها زوالُ الملكِ عن الرَّقيقِ بالعتقِ.
والأصلُ في مشروعيتِه قبلَ الإجماعِ قولُه تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5].
وقالت عائشةُ رضي الله عنها: جَاءَتْني بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقَالَتْ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِهَا، فَقَالَتْ لهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِم وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذلِكَ عَلَيْهِم فَأَبَوْا إِلَاّ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:«خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، ففعلت عائشةُ، ثُمَّ قام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الناسِ، فحمِدَ اللهَ وأثنَى عليه، ثُمَّ قال:«مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَالْوَلَاءُ مِنْ حُقُوقِ الْعِتْقِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّعْصِيبِ عِنْدَ عَدَمِهِ» ، الولاءُ من حقوقِ العتقِ اللازمةِ له، فيثبتُ للمعتِقِ بمجردِ عتقِه، ولا يملكُ إسقاطَه أو التنازلَ عنه، ويكونُ له ما للعصبةِ من النَّسبِ، كالولدِ والوالدِ والأخِ، عندَ فقدِه،
(1)
رواه البخاري (2579)، ومسلم (1504).