الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلُّه للمالكِ، وللعاملِ أجرةُ مثلِه؛ لأنَّ كلًّا منهما مُنْكِرٌ لدعوَى الآخرِ.
«فَصْلٌ»
في الإجَارَة
الإجارةُ في اللُّغةِ: مشتقةٌ من الأجرِ، وهو العِوَضُ، ومنه سمِّي الثوابُ أجرًا.
وفي الاصطلاح: عقدٌ على منفعةٍ مقصودةٍ معلومةٍ، قابلةٍ للبذلِ والإباحةِ بعوضٍ معلومٍ.
والأصلُ في مشروعيتِها من الكتابِ قولُه تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].
ومن السنُّةِ حديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللهُ تعالى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ صَحَّتْ إِجَارَتُهُ إِذَا قُدِّرَتْ مَنْفَتَعُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِمُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ» ، كلُّ ما أمكنَ الانتفاعُ به مع بقاءِ عينِه مدةَ الإجارةِ صحَّتْ إجارتُه بصيغة؛ كآجرتُك هذا الثُّوبَ -مثلًا- فيقولُ المستأجرُ: قبلتُ،
(1)
رواه البخاري (2114)، وقوله:«أَعْطَى بِي» ؛ أي: عاهَد باللهِ تعالى، وقوله:«فَاسْتَوْفَى مِنْهُ» ؛ أي: العملَ الذي استأجرَه عليه.
وتنعقدُ -أيضًا- بقولِ المؤَجِّرِ لدارٍ -مثلًا- أجَّرْتُك مَنْفَعَتَها سنةً -مثلًا-، فيقولُ المستأجرُ: قبِلْتُ، وإنَّما تصحُّ إجارةُ ما أمكنَ الانتفاعُ به إذا قُدِّرَتْ منفعتُه في العقدِ بأحدِ أمرينِ:
الأولُ: أنْ يكونَ بتعيينِ مدَّةٍ في المنفعةِ المجهولةِ القدرِ؛ كالسُّكنَى، والرَّضَاع، وسقْيِ الأرضِ، ونحوِ ذلك؛ إذ السُّكنَى، وما يُشْبِعُ الصَّبِيَّ من اللبن، وما تُرْوَى به الأرضُ من السَّقْيِ يختلفُ ولا ينضبطُ، فاحْتِيجَ في منفعتِهِ إلى تقديرِهِ بمدَّةٍ.
والثَّاني: بتعيينِ محلِ عملٍ في المنفعةِ المعلومةِ القدرِ في نفسِها؛ كخياطةِ الثَّوبِ، والرُّكوبِ من مكانٍ إلى مكانٍ، فتعيينُ العملِ فيها طريقُ إلى معرفتِها، فلو قال: لتخِطْ لي ثوبًا لم يصحَّ، بل يُشْتَرَطُ أن يُبَيِّنَ ما يريدُ مِنَ الثَّوبِ؛ من قميصٍ أو غيرِه، وأن يُبَيِّنَ نوعَ الخياطةِ: أهي روميَّةٌ، أو فارسيَّةٌ؛ إلَّا أنْ تَطَّرِدَ عادةً بنوعٍ فيُحْمَلُ المطلقُ عليه.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ إِلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ التَّأْجِيلُ» ، تجبُ الأجرةُ في الإجارةِ بنفسِ العقدِ، كما يملكُ المستأجرُ بالعقدِ المنفعةَ، ولأنَّ الإجارةَ عقدٌ لو شُرِطَ في عوضِه التَّعجيلُ أو التأجيلُ اتُّبع، فكان مُطلَقُه حالًّا؛ كالثَّمَنِ في البيعِ، فإذا شرَطَ فيه التأجيلَ اتُّبِع؛ لأنَّ المؤمنين عندَ شروطِهم.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ» ، إذا مات أحدُ المستأجرينَ والعينُ المستأجرةُ باقيةٌ لم يبطلِ العقدُ؛ لأنَّ الإجارةَ عقدُ معاوضةٍ على شيءٍ يقبلُ النَّقلَ،
وليس لأحدِ المتعاقدينَ فسخُه بلا عذرٍ، فلا تبطلُ بموتِ أحدِ المتعاقدينَ كالبيعِ، فإذا مات المستأجرُ قام وارثُه مقامَه في استيفاءِ المعقودِ عليه، وإنْ ماتَ المؤجِّرُ تُرِكَ المأجورُ في يدِ المستأجرِ إلى انقضاءِ المدَّةِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَتَبْطُلُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ» ، تنقسمُ الإجارةُ من حيثُ تعيينُ المحلِّ وعدمُ تعيينِه إلى قسمينِ:
الأول: إجارةُ العينِ، وتكونُ المنفعةُ المعقودُ عليها متعلِّقةً بنفسِ العينِ المستأجرةِ لا بغيرِها، كما إذا استأجرَ شخصٌ دارًا بعينِها ليسكنَها، أو دابةً بعينِها ليركبَها، وكذلك لو استأجرَ شخصًا معيَّنًا لبناءِ بيتٍ، أو لخياطةِ ثوبٍ، أو حَمْلِ متاعٍ أو نحوِ ذلك.
الثَّاني: إجارةُ الذِّمةِ، وتكونُ المنفعةُ المعقودُ عليها موصوفةً بصفاتٍ محدَّدةٍ يتمُّ الاتفاقُ عليها مع التزامِها في الذمَّةِ، كما إذا استأجرَ دابةً ذاتَ أوصافٍ محددةٍ للرُّكوبِ أو الحملِ إلى مكانٍ ما، أو استأجرَ شخصًا بصفاتٍ محددةٍ على عملٍ معلومٍ في الذِّمةِ مضبوطٍ بصفاتٍ، كبناءِ بيتٍ أو خياطةٍ ثوبٍ أو حملِ متاعٍ أو نحوِ ذلك.
فإذا تلفتِ العينُ المستأجرةُ بأنْ كانت دابَّة فماتت، أو أرضًا فغرِقت، أو ثوبًا فاحتَرقَ؛ نُظِرَ: هل كان التَّلفُ قبلَ القبضِ أو بعدَه؟ وهل مضتْ عليها مدَّةٌ يكونُ لمثلِها أجرةٌ؛ أم لم تمضِ عليها مدَّةٌ يكونُ لمثلِها أجرةٌ؟ فإن كان قبلَ القبضِ، أو لم تمضِ عليها مدَّةٌ يكونُ لمثلِها أجرةٌ انفسختِ الإجارةُ، وإن تلفتْ بعدَ القبضِ،
وقد مضَى عليها مدَّةٌ يكونُ لمثلِها أجرةٌ انفسختِ الإجارةُ في المستقبلِ لفواتِ الْمَعْقُودِ عليه، ولا تنفسخُ في الماضي؛ لاستقرارِه بالقبضِ، وهذا كلُّه في إجارةِ العينِ، كقولِه: استأجرتُ منك هذه الدَّابةَ.
أمَّا إذا وقعت الإجارةُ على الذمةِ؛ كما لو قال: ألزمتُك حملَ متاعِ كذا إلى موضعِ كذا، فسلَّمه المؤجِّرُ دابةً ليستوفيَ منها فهلكت؛ لم تنفسخ الإجارةُ، بل يُطالبُ المؤجِّرُ بإبدالِها؛ لأنَّ المعقودَ عليه وهو نقلُ المتاعِ باقٍ في الذِّمَّةِ، بخلافِ إجارةِ العينِ؛ فإنَّ المعقودَ عليه نفسَه فاتَ بفواتِ العينِ المستوفَى منها.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ إِلَّا بِعُدْوَانٍ» ، الأجيرُ أمينٌ على ما في يدِه؛ لأنَّه يعملُ فيه، فإذا استأجرَ شخصٌ أجيرًا لغسلِ ثوبٍ ونحوِه فتلِف في يدِه؛ فإنَّه لا يضمنُه؛ لأنَّه أمينٌ ولم يتعدَّ، فإن تعدَّى لزِمه الضمانُ، كما لو استأجرَ شخصٌ أجيرًا لِلْخَبْزِ فأسرفَ في إيقادِ النارِ، أو ترك المخبوزَ حتى احترقَ، فإنه يلزمُه الضمانُ لتعدِّيه، وكذلك لا يضمنُ المستأجرُ العينَ المستأجرةَ إذا تلِفت في يدِه من غيرِ فعلِه، لأنَّها عينٌ قبضَها ليستوفيَ منها ما ملكَه فلم يضمنْها بمجردِ القبضِ، فإن تلِفت بفعلِه يُنظرْ: إن كان بغيرِ عدوانٍ؛ كضربِ الدابةِ، وكبحِها باللِّجامِ للاستصلاحِ وبما جرت به العادةُ، لم يضمنْ؛ لأنَّها هلكت من فعلٍ مُستَحقٍّ، وكذلك لو هلكت تحتَ الحملِ المعتادِ، فإن تلِفت بعدوانٍ، كالضربِ من غيرِ حاجةٍ، أو حمَّلَها فوق المعتادِ،