الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(منهم: ابنُ عمرَ، وعائشةُ، وجابرُ بنُ عبدِ اللهِ، وأنسُ بنُ مالكٍ): ليس في الحُلِيِّ زَكاةٌ»
(1)
.
«فَصْلٌ»
في زكاةِ الزُّرُوعِ والثِّمَار
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَنِصَابُ الزُّرُوعِ وَالثِّمارِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ» ، هذا هو نصابُ الزُّروعِ والثِّمارِ، كما في حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»
(2)
.
وفي روايةٍ: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ»
(3)
.
والأوْسُقُ: جمعُ وَسْقٍ، وهو ستُّونَ صاعًا، والصَّاعُ: أربعةُ أمدادٍ، والمُدُّ: ملءُ كفَّيِ الإنسانِ المعتدلِ إذا ملأَهُما ومَدَّ يدَه بهما، وبه سُمِّيَ مُدًّا، وهو رِطْلٌ وثلُثٌ وزيادةٌ يسيرةٌ. يقولُ ابنُ عبدِ البرِّ رحمه الله:«والوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بإجماعٍ من العلماءِ بصَاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالصَّاعُ أربعةُ أمدادٍ بمُدِّه صلى الله عليه وسلم، ومُدُّه زِنةُ رِطْلٍ وثلُثٍ وزيادةِ شيءٍ لَطيفٍ بالرِّطْلِ البَغْدادِيِّ، وهو رِطْلُ النَّاسِ في آفاقِ الإسلامِ اليومَ»
(4)
.
(1)
«سنن الترمذي» (3/ 20).
(2)
رواه البخاري (1378)، ومسلم (979).
(3)
«صحيح مسلم» (979).
(4)
«الاستذكار» (3/ 132).
وقال النَّوويُّ رحمه الله: «قد يُسْتَشْكلُ ضبطُ الصَّاعِ بالأرطالِ، فإنَّ الصَّاعَ المُخْرَجَ به في زمنِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مكيالٌ معروفٌ، ويختلِفُ قدرُه وزنًا باختلافِ جنسِ ما يَخرُجُ، كالذُّرةِ والحِمِّصِ وغيرِهما»
(1)
.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَفِيهَا إِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ السَّيْحِ الْعُشْرُ، وَإِنْ سُقِيَتْ بِدُولَابٍ أَوْ نَضْحٍ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، وفيها: أي: خمسةِ الأوسقِ وما زاد عليها؛ إنْ سُقِيت بماءِ السماءِ، وهو المطرُ، ونحوُه كالثَّلجِ، أو سُقِيت بماءِ السَّيْحِ (وهو الماءُ الجاري على الأرضِ بسببِ سيلٍ، أو قنواتٍ محفورةٍ من الأنهارِ)، أو ما شَرِبت بعروقِها لقُرْبِها من الماءِ؛ فزكاتُها العُشْرُ كاملًا، وذلك لخفَّةِ المُؤْنَةِ، أمَّا إنْ سُقِيت بدولابٍ -وهو السَّاقيةُ- سواءٌ كان يُدِيرُه حيوانٌ أو آدميٌّ، أو سُقِيت بنضْحٍ، وهو في اللُّغةِ الرَّشُّ، والنَّواضحُ الإبلُ التي يُستقَى عليها، والمقصودُ نقلُ الماءِ من محلِّه إلى الزَّرعِ بواسطةِ حيوانٍ، أو من قِبَلِ الآدميِّ، أو بواسطةِ آلةٍ، أو بماءٍ اشترَاه، فهذا زكاتُه نصفُ العُشْرِ، وذلك لارتفاعِ المُؤْنَةِ.
(1)
«روضة الطالبين» (2/ 162)، ومن المعلومِ أن ضبطَ الصَّاعِ بالأرطالِ في زمانِنا متعسِّرٌ جدًّا، حيثُ إنَّ كلَّ شيءٍ تقريبًا أصبح يُقدَّر بالوزنِ، وقد قدَّر بعضُ العلماءِ الصَّاعَ بكيلوينِ وربعٍ، وعلى هذا فخمسةُ الأوسقِ في ستِّينِ صاعًا تُساوي ثلاثَمائةِ صاعٍ، في كيلوينِ وربعٍ تساوى (675) كيلو غرامٍ تقريبًا.
ويجب التنبيهُ على أن الصاعَ وحدةٌ لقياسِ الحجمِ، والكيلو وحدةٌ لقياسِ الوزنِ، فالصاعُ من التمرِ ليس وزنُه كالصاعِ من الأرزِ، كما أشار النوويُّ رحمه الله، فلكلِّ واحدٍ منهما وزنٌ يختلف عن الآخرِ، ولذلك الصوابُ أن يُقالَ: الصاعُ من البُرِّ يساوي كذا بالكيلو، والصاعُ من التمرِ يساوي كذا بالكيلو، وهكذا.
يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضي الله عنهما: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا؛ العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ؛ نِصْفُ العُشْرِ»
(1)
.
(2)
.
وقال جابرٌ رضي الله عنه: سمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ»
(3)
.
وتخرجُ زكاةُ الثِّمارِ بعدَما يصبحُ العنبُ زبيبًا والرُّطبُ تمرًا، وزكاةُ الزُّروعِ عندَ الحصولِ عليها؛ لقولِه تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
(1)
رواه البخاري (1412)، و «عَثَرِيًّا»؛ أي: ما يُسقى بالسَّيلِ الجاري في حفرٍ، وتُسمى الحفرةُ عاثوراءَ؛ لتعثُّرِ المارِّ بها إذا لم يعلمْها.
(2)
رواه أبو داود (1596)، والنسائي (2488)، وابن ماجه (1817)، والبعلُ: ما يَشْرَبُ من الشجرِ بعروقِه، قال ابنُ الأثيرِ رحمه الله في «شرح مسند الشافعي» (3/ 61):«وهذا الصِّنفُ من النخيلِ رأيتُه بالباديةِ، وهو ينبتُ من النَّخلِ في الأرضِ تقربُ ماؤُها، فرسخَت عروقُها في الماءِ واستغنت عن ماءِ السماءِ والسيولِ وغيرِها من الأنهارِ، يُقالُ: قد استعبلَ النخلُ» ، والسَّواني: جمعُ سانيةٍ، وهي البعيرُ الذي يُسنى عليه؛ أي: يُستقى.
(3)
رواه مسلم (981)، ومن محاسنِ الشريعةِ أنها جعلت زكاةَ ما خفَّت مؤنتُه وكثرت منفعتُه على التضعيفِ؛ توسعةً على الفقراءِ، وجعلت ما كثرت مؤنتُه على التنصيفِ؛ رفقًا بأربابِ الأموالِ.