الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالة فعل المكلف:
الأصل في الدلالة على الإِرادة وبيانها هو اللفظ، فهو الطريق الفطري الذي يستعمله الناس في إظهار مكنوناتهم، وإبرازِ إراداتهم (1)، غير أَنَّ الناس قد اتخذوا وسائل أخرى يصيرون إليها للدلالة على إراداتهم كالكتابة التي لها حكم اللفظ وقد سبقت، وكالفعل للدلالة على أمر من عقد ونحوه، كالمعاطاة في البيع والإِجارة ونحوهما، وفي حكم الفعل في الهيئة: الإِشارة كما سيأتي، وكالسكوت الذي يَدُلُّ على الإرادة في بعض الصور، وسيأتي.
فما أثر الفعل في الدلالة على الإرادة
؟
إنَّ الأصل في الفعل عدم الدلالة على القصد والإِرادة؛ لأَنَّه لم يُجْعَل لذلك، ولكن إذا لابسته قرينة تَدُلُّ على الاعتداد به في الدلالة على القصد والإِرادة عُمِلَ بها، وصار دالًّا على القصد والإِرادة، سواء كان الفعل وسيلة عرفية للدلالة على الإِرادة، أَمْ اقتضى الحال إعماله في الدلالة على ذلك، أَمْ كان في ترك إعماله تغرير أَوْ ضرر، ومن القواعد المقررة: أَنَّ البيان كما يكون بالصريح يكون بالدلالة (2).
(1) السكوت ودلالته على الأحكام الشرعية 151، التعبير عن الإِرادة في الفقه الإِسلامي 230.
(2)
انظر هذه القاعدة في: أصول الحنفية للكرخي 163، القواعد المستخلصة من التحرير 483، الكشاف 5/ 251، منار السبيل 2/ 241 ، 376.
وذلك مثل: بيع المعاطاة؛ لاقتضاء العرف لها، وإظهار صفة في المبيع؛ فإنَّه بمثابة اشتراطها دفعًا للتغرير (1)، ووطء المطلقة الرجعية؛ فإنَّه رجعة ولو لم يَنْوِ به الرجعة؛ لدلالة الحال الظاهرة على ذلك، فهو كالصريح كما ذكره الحنابلة (2)، وكتحويل الرجل وجهه عن زوجته في الفراش من غير مسوغ؛ فإنَّه إضرار بها كما ذكره المالكية (3).
على أَنَّ من الأفعال ما يكون واضحًا في الدلالة، كالمعاطاة في البيع ونحوه، ومنها ما يحتمل أكثر من معنى على التساوي، فيطلب مرجح لأحد المعنين على الآخر (4)، وذلك كمن عليه دينان لشخص واحد؛ أحدهما برهن والآخر بدونه، فسلّم لرب الحق مقدار أحدهما، فالقول في حمله وتفسيره على أيٍّ من الدينين يرجع للمُسلِّم؛ لأَنَّ فعل المُسلِّم يحتملهما فيرجع إليه في التعيين فيما نواه (5).
* * *
(1) مجموع الفتاوى 29/ 29، الكشاف 3/ 148، 213.
(2)
شرح المنتهى 3/ 148، الكشاف 5/ 343.
(3)
مواهب الجليل 4/ 17، شرح الزرقاني 4/ 62.
(4)
تحرير ألفاظ التنبيه للنووي 244، السكوت ودلالته على الأحكام الشرعية 151، التعبير عن الإِرادة في الفقه الإِسلامي 230.
(5)
شرح المنتهى 2/ 237، الكشاف 3/ 372، 4/ 298.