الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - مبنى عقود الأبدان على الألفة والاتفاق:
عقود الأبدان من الزوجية والإجارة الواردة على عمل الإنسان ونحوهما يحتاج تنفيذها والاستمرار فيها إلى التآلف ودوام الاتفاق، فإذا فقد ذلك ساءت الحال بين المتعاقدين، وأصبح كل منهما لا يحسن التعامل مع الآخر، بل ربما تربص به الشر والأذية، فإذا تردد عقد من ذلك بين إمضائه أَوْ فسخه أخذ القاضي بالتَّوْصِيف الموجب للفسخ؛ لأَنَّه أرفق بالطرفين ما لم يعارض ذلك موجب أقوى فتجرى الموازنة حسب تزاحم المصالح بعضها مع بعض أَوْ مع ضدها.
يقول ابن العربي (ت: 543 هـ) - في تأييد الفرقة بين الزوجين للضرر أَوْ النشوز-: "فأَما عقود الأبدان فلا تتم إلَّا بالاتفاق والتآلف وحسن التعاشر، فإذا فقد ذلك لم يكن لبقاء العقد وجه، وكانت المصلحة في الفرقة"(1).
4 - قطع الخصومة ما أمكن أَوْ تقليلها:
الحكمة من مشروعية القضاء إيصال الحقوق إلى أَصْحَابها، ورفع المشاحنات، وقطع الخصومات أَوْ تقليلها، وقمع الظالم، ونصرة المظلوم، ونشر الأمن في الأمة، وهي مقاصد في الشريعة من السمو بمكانة (2).
(1) أحكام القرآن 1/ 541.
(2)
تبصرة الحكام 1/ 12، مجموع الفتاوى 35/ 335، شرح الزرقاني 7/ 138، معين الحكام للطرابلسي 7، مقاصد الشريعة 195.
وأصل ذلك ما حدَّث به زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جذَّ الناس وحضر تقاضيهم قال المُبتاع: إنَّه أصاب الثمرَ الدُّمان، أصابه مرض، أصابه قُشام - عاهات يحتجون بها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: فأَمَّا لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم"(1).
قال ابن تَيْمِيَّةَ (ت: 728 هـ): "فقد أخبر أن سبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما أفضت إليه من الخصام"(2)، فإذا تردد تَوْصِيف واقعة بين ما يقطع الخصومة أَوْ يقللها وبين ما يوجب استمرارها فإنَّ القاضي يقدم في توصيفها ما يقطع الخصومة أَوْ يقللها، وهكذا في سائر حِكَمِ مشروعية القضاء.
وكل ذلك ما لم يعارضه موجب أقوى منه، فتجرى الموازنة حسب تزاحم المصالح بعضها مع بعض، أَوْ مع ضدها.
ومن الأمثلة لما يراعى فيه قطع الخصومة ما أمكن أَوْ تقليلها: أَنْ يختلف المؤجر والمستأجر في شيء من حقوق العقد قبل مباشرة
(1) رواه البخاري (الفتح 4/ 393)، وهو برقم 2193.
(2)
مجموع الفتاوى 29/ 47.
تنفيذه، ويتردد توصيفه بين بقاء العقد وفسخه، فيقدم موجب فسخه؛ لأَنَّه أقطع للنزاع بينهما (1).
وعلى القاضي هنا أَنْ يذكر في أسباب حكمه مسوغات توصيفه لما أخذ به على وجه كافٍ مفصل.
* * *
(1) انظر ما سبق في ثبات التعامل بين الناس واستقراره: الفقرة الثانية من هذه الضوابط.