الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني شروط الواقعة القضائية المثبتة
المراد بالواقعة القضائية المثبتة:
هي الواقعة القضائية المؤثرة التي يسوغ إثباتها أصليةً أَوْ تبعيةً (1).
فهي الواقعة محل الإِثبات، أَوْ الواقعة التي يراد إثباتها.
والفرق بينها وبين الواقعة المؤثرة: أنَّ الواقعة المثبتة أخص من الواقعة المؤثرة، فكل واقعة صالحة للإثبات هي واقعة مؤثرة، وليس كل واقعة مؤثرة تصلح للإِثبات؛ ذلك أنَّ من الوقائع ما لا تحتاج للإِثبات؛ لإقرار الخصم بها، أَوْ لكونها متواترة، أَوْ يتعذر إثباتها، كنِيّة الإِنسان الباطنة، ونحو ذلك مما سوف يأتي بيانه وتوضيحه في شروط الواقعة المثبتة.
(1) وسائل الإِثبات 61.
ويشترط للواقعة المثبتة شروط خمسة، هي:
1 -
أَنْ تكون مؤثرة في الحكم القضائي.
2 -
ألَّا تكون معترفًا بها في الجملة.
3 -
أَلَّا تكون متواترة وما في حكمها.
4 -
ألَّا تكون من الأمور الباطنة التي يتعذر الاطّلاع عليها.
5 -
أَنْ تكون موجبة لا منفية.
وتفصيل هذه الشروط فيما يلي:
1 -
أَنْ تكون الواقعة مؤثرة في الحكم القضائي، سواء كان تأثيرها أصليًّا أَمْ تبعيًّا، فلا يَصِحُّ للقاضي إثبات واقعة طردية غير مؤثرة في الدعوى؛ لما فيه من إضاعة لجهد القاضي، وإتعاب للخصوم، وإطالة أمد النزاع (1).
2 -
ألَّا تكون الواقعة معترفًا بها في الجملة، فإذا اعترف الخصم بها أغنى ذلك عن طلب إثباتها (2)، لكن إذا كان في الشهادة زيادة فائدة على الإِقرار سُمِعت (3).
مثال ذلك: أَنْ يكون على الميت ديون لعدد من الغرماء بعضها عليه بينة، والآخر لا بينة عليه، وماله لا يفي بديونه، والورثة كلهم
(1) انظر الواقعة القضائية المؤثرة وأقسامها وشروطها في: المبحث الثاني من الفصل الأول، والمبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الثاني.
(2)
المغني 5/ 271، درر الحكام لحيدر 4/ 575.
(3)
انظر تفصيل حالات سماع البينة مع الإِقرار في: وسائل الإِثبات للزحيلي 264.
بالغون، ومقرون بالديون، فمن له بينة على دينه سمعت، وفائدة ذلك: تقديمه على سائر الغرماء ممن لم يثبت إلَّا بإقرار الورثة (1).
3 -
ألَّا تكون الواقعة متواترة وما في حكمها، فإذا تواترت الواقعة بحيث يشترك القاضي في العلم بها مع غيره من عموم الناس من بَرٍّ وفاجر ومسلم وغيره فهنا يستند القاضي عليها، ولا يطلب إثباتها (2).
وذلك كالعلم بوجود مكة، والمدينة النبوية، والرياض، والقاهرة، ودمشق، ونحوهن من حواضر وعواصم العالم الإِسلامي وغيره.
وكالأمور العادية من تعاقب الليل والنهار، أَوْ الأمور العقلية، ككون المائة مع المائة تساوي مائتين، فكل ذلك يستند القاضي فيه إلى علمه، ولا يطلب إثباته.
ولا يدخل في ذلك الاشتهارالخاص، كشيوع وفاة شخص بين أفراد معينين، فهذا ليس من الوقائع المتواترة (3)، وعليه العمل، فلا زال القضاة يطلبون الإِثبات على وفاة شخص، وحصر ورثته، ولو
(1) المغني 5/ 343، الإِنصاف 12/ 155، شرح المنتهى 3/ 577، الكشاف 6/ 463.
(2)
شرح تنقيح الفصول 249، 353، شرح عماد الرضا 1/ 346، الطرق الحكمية 268.
(3)
شرح عماد الرضا 1/ 346.
كان ذلك مشتهرًا عند القاضي؛ لأَنَّ الشهرة الخاصة ليست كالتواتر العام.
4 -
ألَّا تكون الواقعة من الأمور الباطنة التي يتعذر الاطلاع عليها إذا كان الإِثبات بالشهادة، وذلك كنية الإِنسان الباطنة، فإنَّه إذا كان محل الإِثبات مما يتعذر الاطلاع عليه كالنية فلا وجه لسماع الشهادة عليه، ولذلك ذكر الفقهاء في غير موضع أَنَّ القول قول المدعي فيما نواه، فقالوا فيمن قضى بعض دينه، أَوْ أسقط عن مدينه بعض الدَّين الذي عليه، وكان ببعض الدَّين رهن أَوْ كفيل وبعضه بدون ذلك وقع قضاء البعض أَوْ إسقاطه عما نواه قاضٍ ومسقط؛ لأَنَّ تعيينه إليه ابتداءً، فلو نواه عما عليه الرهن، أَوْ ما به الكفيل، وهو بقدره انفك الرهن، وبرئ الكفيل، ويقبل قول المسقط والقاضي (المسلِّم) فيما نواه، ولا محل للبينة هنا؛ لأَنَّ نيته لا تعلم إلَّا من قبله.
كما ذكروا: أَنَّ الكناية في الطلاق يرجع فيها إلى نية المطلِّق؛ لأَنَّها لا تعلم إلَّا من جهته، ولا تمكن الشهادة عليها؛ لأَنَّها مستترة، لا يطلع عليها أحد غير المطلق.
وهكذا لو قال المدين لرب الدين: أحلتك بديني، أَوْ بالمال الذي قِبَل فلان، وادعى أحدهما أَنّه أريد بها الوكالة، وأنكر الآخر أَنْ يكون أريد بها الوكالة، فقول مدعي الوكالة؛ لأَنَّه يدعي بقاء الحق
على ما كان، وينكر انتقاله؛ فالأصل معه، قال الفقهاء: ولا موضع للبينة (الشهادة) هنا؛ لأَنَّهما لم يختلفا في لفظ يسمع، ولا فعل يرى، وإنَّما يدعي أحدهما بنيته، وهذا مما لا تشهد به البينة نفيًا ولا إثباتًا (1)، لكن لو أظهر ما نواه بلسانه، وقامت البينة على نطقه أخذنا بذلك، وهكذا لو قامت قرينة على مانواه أخذنا بذلك، كما في بيع الهازل، وتلجئة العقود، فإنَّها تثبت بالقرينة (2)، لكن هنا يتوجه الإِثبات على الأمر الظاهر الذي يَدُلُّ على باطن الأمر.
5 -
أَنْ تكون الواقعة موجبة لا منفية إذا كان الإِثبات بالشهادة، إلَّا ما يستثنى.
والواقعة الموجبة هي المقتضية للإِثبات إيجابًا، ككون فلان مدين لفلان بكذا، أَوْ أَنَّ هذا العقار ملك لفلان.
والواقعة المنفية هي ما اقتضت نفيًا مطلقًا، ككون فلان غير مدين لفلان.
فالواقعة الموجبة هي التي تصلح بأَنْ تكون محلًا للإِثبات.
أَمَّا الواقعة المنفية فالأصل فيها: أَنَّ إثبات النفي بالشهادة
(1) المنثور 1/ 145، المغني 7/ 67 (ط: هجر)، شرح المنتهى 2/ 237، 259، الكشاف 3/ 39، 372، 5/ 39، الروض المربع 5/ 76.
(2)
انظر في الاعتداد بالقرينة في بيع الهازل وتلجئة العقود: الكشاف 3/ 150.