الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - مراعاة الخلاف:
والمراد به: الأخذ بالقول المرجوح وترك الراجح في الحكم المقرر فقهًا مراعاة للواقعة المراد توصيفها لمقتض شرعي.
وقد سبق بيان ذلك وشروطه في تقرير الحكم الكلي (1)، فالواقعة المعينة إذا أراد القاضي توصيفها، وتنازعها قولان للعلماء، وكان حملها على القول المرجوح أصلح أُجْرِي توصيفها وتنزيلها عليه استثمارًا للخلاف في معالجة المفسدة (2).
وليس ذلك عدولًا مجردًا عن القول الراجح إلى غيره، بل الأخذ بهذا القول المرجوح في هذه الواقعة المخصوصة يُعَدُّ راجحًا؛ لأَنَّ الواقعة قد اشتملت على وصف مؤثر -زيادة أَوْ نقصًا- سَوَّغ العدول لهذا القول فصار الخلاف بين القولين كأنّه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
ومما تجدر الإشارة إليه أن مراعاة الخلاف يعود إلى الاستحسان؛ إذ هو صورة من صوره؛ لأَنَّ الحال إذا اقتضى العدول بالواقعة إلى تَوْصِيف وحكم آخر كان من وسائل ذلك مراعاة الخلاف، ونذكر بعض الأمثلة على ذلك:
(1) انظر ذلك في المطلب الأول من المبحث الرابع من الفصل الخاص من الباب الأول.
(2)
الموافقات 4/ 203، فصول في الفكر الإسلامي بالمغرب 230.
(أ) إذا توفي رجل وخلف ورثة منهم زوجته التي نكحها بدون ولي بل أنكحت نفسها ومكثت معه مدة طويلة، وادعى بعض الورثة بعد وفاة زوجها منعها من الإرث لفساد نكاحها - فإنَّ الصَّحِيح من مذهب الحنابلة أَنّها لا ترث في النكاح الفاسد (1)، ولكن ثَمَّ ملحظ في الواقعة وهو دخول الزوجة في أصل النكاح على الحقوق الزوجية ومنها التوارث، فيقضي القاضي بإرثها منه أخذًا بالقول الآخر بالتوراث بينهما (2)؛ مراعاة للخلاف، وقد وقعت، وحكم فيها بعض القضاة بذلك مراعاةً لما ذكرنا.
(ب) من اشترى عينًا وظهر بها نقص في ذرعتها فللمشتري الخيار إذا جهل الحال وفات غرضه، وهذا هو المذهب عند الحنابلة (3).
ويرى ابن سعدي (ت: 1376 هـ) - في مطلق الرد بخيار العيب إذا كان السعر قد نقص نقصًا فاحشًا ولم يدلس البائع على المشتري-: أَنَّ المشتري مخير بين أخذ أرش العيب من البائع، أَوْ يرد العين ومعها أرش نقص سعرها عنده (4).
وقد وقعت هذه النازلة عند رخص أسعار العقار بالرياض في
(1) الإِنصاف 7/ 305، حاشية المقنع 2/ 402.
(2)
المرجعين السابقين، الموافقات 4/ 150.
(3)
المغني 6/ 211 - 212 (ط: هجر)، الروض المربع 4/ 410.
(4)
الفتاوى السعدية 391، المختارات الجلية 259.
بعض السنين، فصار بعض المشترين يدعي الخيار بهذا العيب -نقص الذرعة- ويطلب إعادة ثمن المبيع له، وأخذ بعض القضاة يقول ابن سعدي مراعاةً للخلاف، وسدًا لذرائع إفساد العقود بحيل ظاهرة.
وهو اتجاه سديد يُفَوِّت على المشترين حيل فسخ العقود لأجل نقص قيمة العقار تذرعًا بنقص ذرعته.
(ج) ذكر ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ) من الحيل المنكرة: أَنْ يقتل رجلٌ حماتَه -أَمْ زوجته- فيجب عليه القصاص، فيقوم بقتل زوجته التي له منها أولاد حتى يسقط القصاص عنه، وهذه الحيلة لا تسقط القصاص، بل وجوبه قائم؛ قال ابن القَيِّمِ:"لو قيل بتحتم قتله ولا بُدَّ إذا قصد هذا لكان أقرب إلى العقول والقياس"(1).
* * *
(1) إعلام الموقعين 3/ 343.