الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس سير القاضي في تنقيح الواقعة القضائية المؤثرة
إنَّ على القاضي بعد تلقي الدعوى والإِجابة تنقيحَ هذه الوقائع المختلطة، ويتم ذلك بتحديد الحكم الكلي الملاقي للواقعة المدعاة وتنقيحها على ضوئه بطريقة التحليل والمقابلة المارّ ذكرها، وبذلك يُبْقِي مؤثرها، ويلغي طرديها، ويستدعى ما سكت عنه الخصم من الوقائع المؤثرة بسؤاله عنها حتى تكتمل صورة الواقعة المؤثرة، ويكون ذلك في التنقيح الابتدائي الذي يتم بعد سماع الدعوى والإِجابة حتى يتسنى للقاضي السير في القضية، وإثبات وقائعها المؤثرة، وتقرير هذه الوقائع، واستخلاصها، واستنباط الأوصاف المؤثرة في التَّوْصِيف والحكم.
وهكذا إذا انتهى القاضي من سماع البينات وتنقيحها، وأجرى ما يلزم نحوها، وختم المرافعة، وفَسّر الوقائع، وقرّر واستنبط الأوصاف المؤثرة في التَّوْصِيف والحكم القضائي، واستحضر الحكم الكلي الملاقي للواقعة- فإنَّه يقوم بتنقيح الوقائع على ضوء ذلك،
ولا يغني ما أجراه القاضي في التنقيح الابتدائي؛ لأنَّ التنقيح الابتدائي كان مبنيًا على كلام الخصمين، فهو أشبه بالفتيا في عدم لزومها.
أَمَّا في التنقيح النهائي هنا فيراعى فيه ما يثبت من كلام الخصمين بطرق الحكم، وما استنبطه القاضي منها من الأوصاف المؤثرة، وطلبات الخصوم، مع مراعاة أصول التَّوْصِيف التي سوف يأتي ذكرها لاحقًا (1) - إن شاء الله-.
على القاضي وهو ينظر في تنقيح الوقائع لإعمال مؤثرها وإلغاء طرديها أَنْ يتدرج في ذلك، فينظر في جميع الوقائع المقدمة من الطرفين، ثم بعد مقابلتها بالحكم الكلي الفقهي يجري تنقيحها باستبعاد طرديها، وإبقاء مؤثرها.
ثم يجمع هذه الأوصاف المنقحة المؤثرة التي يتعلق بها الحكم ويرتبها حتى تصبح متآلفة متكاملة وكأَنَّها أوصاف جاءت مجتمعة فورًا واحدًا، مهذبة مرتبة، لم يُذكر معها سواها مما يتعلق بالحكم ويؤثر فيه، وهنا تكون الواقعة مُهَيَّئَةً للتَّوْصِيف بتحقيق مناط الحكم عليها، أي بتنزيل الحكم الكلي عليها.
إنَّ سلوك القاضي هذا الطريق مما يعينه على استيعاب الأوصاف المؤثرة للواقعة، وعلى تَوْصِيفها تَوْصيفًا صحِيحًا ملاقيًا
(1) انظرها في: المبحث الأول من الفصل الأول من الباب الثالث.
ومطابقًا للحكم الكلي الفقهي، ومتى غفل عن تنقيح الوقائع فإنَّ تَوْصِيفه للواقعة القضائية سوف يكون عرضة للانتقاض؛ لأَنَّه ربما بنى تَوْصِيفه للواقعة على الأوصاف الطردية المحتفة بالواقعة، وغفل عن أوصافها المؤثرة (1).
وعلى القاضي عند تنقيح الوقائع القضائية أَنْ يجتهد في إعمال فكره، على التقاط الأوصاف، والصور، والوقائع المؤثرة، وتمييز الفروق المقررة.
* * *
(1) البهجة 1/ 36، مزيل الملام 115.