الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث شروط استنباط الواقعة القضائية المؤثرة
إنَّ القاضي وهو في سبيل تقرير ثبوت الواقعة المؤثرة أَوْ شيء من أوصافها لتهيئتها للتَّوْصِيف قد يستنبط وقوعها من أقوال الخصوم ودفوعهم وبيناتهم، ولذا وجب أَنْ تتوفر في الاستنباط الشروط الآتية (1):
1 -
أَنْ يشهد الشرع للمعنى المستنبط، فلا يعتد باستنباط لا يقرر حقيقة شهد لها الشرع.
2 -
أَنْ يكون المعنى المستنبط مؤثرًا في تَوْصِيف الواقعة المتنازع فيها بحيث يؤدي إلى ثبوت الواقعة القضائية المؤثرة، أَوْ
(1) أدب القاضي للماوردي 1/ 539، 544، المنخول 364، الفواكه البدرية 37، 89، 91، 144، الكافية في الجدل 534، 536، مغني ذوي الأفهام 238، الجدل لأبي الوفاء بن عقيل 72، مقاصد الشريعة 202، فتاوى ورسائل 8/ 158، 11/ 306، الحوار لزمزمي 305، 351، 507.
أحد أوصافها فلا يعتد باستنباط ثبوت وصف مؤثر شهد الشرع بالاعتداد به ولكنه لا يتعلق بموضع النزاع.
3 -
ألَّا يعارض المعنى المستنبط ما هو أقوى منه من العلل والمعاني التي تؤدي إلى نفي الواقعة المؤثرة أَوْ المعنى المستنبط لأجل ثبوتها، فمثلًا: يستدل على القتل العمد بالآلة المستخدمة في القتل؛ فمن قتل شخصًا بمسدس كان ذلك دالًّا على العمدية في القتل، لكن لو عارض هذا قرائن قوية أَوْ بينة تَدُل على أنَّ القاتل لم يقصد القتل وإنَّما انطلقت الرصاصة من المسدس خطأ- عمل بذلك، وكان القتل خطأ.
4 -
أَنْ يكون الاستنباط كافيًا، مبينًا فيه المعنى المستنبط، والأدلة والوقائع المستفاد منها، والرد على ما يعارضه من أقوال الخصوم ودفوعهم وبيناتهم، ولا يكون مجرد ظن ضعيف ولا خارجًا عن طرق الاستدلال المقررة شرعًا في تفسير الوقائع من دلالة النَّصّ والظاهر، وبيان المجمل، والجمع بين الوقائع عند تعارضها، فلا ينتقل القاضي من معنى راجح إلى معنى دونه دون أَنْ يكون لذلك مسوغ يبينه، ولا من مفهوم مع ظهور منطوق يعارضه، ولا يهجم على تفسير مجمل من غير توضيح مُبيّنِه، ولا صارفًا الدلالة الأصلية للأمر والنهي إلى معنى آخر من غير بيان الدليل الذي يعضده، ولا مقررًا نسخ واقعة أَوْ دليل من غير بيان مستنده.
5 -
أَنْ يكون الاستنباط متسلسلًا، ينتقل فيه مقرره من المقدمات إلى النتائج، ومن المعلوم إلى استنباط المجهول وتقريره، ومن الدليل إلى المدلول.
وعلى القاضي التأكد من صِحَّة استنباطه واستنتاجه بتكرار التأمل، والنظر، وتفحص ما ظهر له، مستعينًا في ذلك بالمحاورة الذهنية الهادئة، وذلك بتقمص شخصية المخالف بافتراض الاعتراض والإِجابة عليه ذهنيًا، فمن الخطأ السيرُ في فرض واحد مع عدم افتراض ما يعارضه؛ وذلك حتى يتبين له استنتاجه كالشمس المضيئة.
6 -
أَنْ يكون الاستنباط مبنيًا على ما تداعى فيه الخصوم وقدموه للقاضي، وتمَّ تدوينه لديه، فلا يستدل القاضي أَوْ يستنبط من أقوال أَوْ أدلة لا سند لها في ضبط القضية وأوراق الدعوى.
* * *