الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني الشاهد سفير الوقائع ينقلها للقاضي ولا يُوَصِّفها
إنَّ على الشاهد أَنْ ينقل للقاضي صورة ما سمعه، أَوْ رآه، أَوْ علمه من إقرار، أَوْ عقد بيع، أَوْ غصب، أَوْ إتلاف، أَوْ قتل، أَوْ غير ذلك من الوقائع المؤثرة، وذلك على صورة ما تحمله، والقاضي بعد ذلك هو الذي يوصف الوقائع، ويرتب عليها الأحكام، فالشاهد سفير، والقاضي مُوَصِّفٌ لها (1).
يقول ابن أبي الدم (ت: 642 هـ): "فهو - يعني الشاهد - سفير الحاكم فيما ينقله من قول أَوْ فعل على ما رآه أَوْ سمعه، ثم الحاكم ينظر فيما نقله الشاهد إليه، فإذا كان سببًا صالحًا عنده إمَّا مُجْمعًا عليه أَوْ مجتهدًا فيه ورآه مذهبًا له رَتَّبَ عليه موجبه، وإن لم يره سببًا صالحًا وهو مجتهد فيه لم يعمل به.
(1) أدب القضاء 385، 394، 395، 396، نهاية المحتاج 8/ 323 - 324، الأشباه والنظائر للسيوطي 496.
فإذًا وظيفة الشاهد نقل ما رآه أَوْ سمعه، ووظيفة الحاكم ترتيب المسببات على أسبابها متى ساغ ذلك شرعًا" (1).
ومن ذلك: لو ادعى رجل بعيب في دار اشتراها، وطلب رد المبيع فإنَّ شاهد الخبرة لا يشهد بأَنَّ العيب قديم موجب للرد، بل يشهد بأَنَّ العيب قديم، ثمَّ يشهد أهل البَصَر بقِيَم العقارات إذا لم يعرفه الشاهد الأول بأَنَّه ينقص من قيمة المبيع عادة، ثم القاضي بعد ذلك يوصف العيب بأَنَّه موجب للرد أَوْ لا.
فلا يقبل من الشاهد حكاية وجوب الحق، بل يؤديه على وجه الشهادة، ووظيفة القاضي توصيفه، وترتيب الأحكام عليه (2).
ولا يعارض هذا أَنَّه لا بُدَّ للقاضي عند تَوْصِيف الواقعة من سماع رأي أهل الخبرة عند الاقتضاء في بيان كون الشيء المختلف فيه بين الخصمين تعديًا أَوْ تفريطًا ليرتب عليه التَّوْصِيف الملائم للواقعة؛ لأن بيان أهل الخبرة لذلك معدود من أدلة وقوع الحكم المتعلقة بإثبات الواقعة أَوْ شيء من أوصافها أَوْ نفيها، وفرق بين الأمرين، وسيأتي لذلك مزيد بيان في المطلب التالي.
* * *
(1) أدب القضاء 394 - 395.
(2)
معين الحكام للطرابلسي 130، تبصرة الحكام 2/ 81 - 82، البهجة 1/ 214، أدب القاضي لابن القاص 1/ 190، الروض المربع 4/ 441.