الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرورات والحاجات، ويذكر في أسباب حكمه مستنده الشرعي في ذلك، والمسوغات التي حملته على الاعتداد بذلك الأمر من الضرورات أَوْ الحاجات التي تجب مراعاتها.
4 -
أَنْ يكون مراعاة الضرورة والحاجة مقتصرًا على الواقعة القضائية الحالية، ويتجدد الاجتهاد فيها بتجدد وقوعها في منازلة بحسب ما يحتف به من أمور دافعة، وعوارض مانعة، وأحوال ومقتضيات مؤثرة، ومن المقرر في الأحكام القضائية أَنّها جزئية خاصة بالمتنازع فيه حالًا لا تتعداه إلى غيره من الوقائع.
تطبيقات على مراعاة الضرورة والحاجة عند التَّوْصِيف:
إنَّ صور الضرورة والحاجة التي تجب مراعاتها عند التَّوْصِيف لا تنحصر، وسوف أذكر بعض التطبيقات على ذلك فيما يلي:
(أ) الإغضاء عن خلل يسير في العقد ترجيحًا لمصلحة تقرير العقود الذي يحتاجه المتعاملون، وذلك كالبيوع الفاسدة التي يطرأ عليها بعض المفوتات المقررة فقهًا إذا كانت قد وافقت قولًا للفقهاء ولو مرجوحًا، ذكره بعض المالكية (1).
(ب) عند المالكية: من هرب بامرأة حتى يحمل أهلها على تزويجها له لم تحرم عليه بذلك، وفي قول لهم: تحرم عليه بذلك تحريمًا مؤبدًا.
(1) مقاصد الشريعة 183.
ولما كثر هذا الأمر بين الناس أفتى بعض محققي المالكية بالتحريم المؤبد؛ للحاجة إلى قطع هذا الأمر، وحسمِ ما يترتب عليه من الفساد (1).
(ج) يقرر الحنابلة أَنَّ الطلاق ثلاثًا بلفظ واحد يقع ثلاثًا، وخالف ابن تَيْمِيَّة (ت: 728 هـ)، وقال: يقع واحدة فقط، وبعض الحنابلة مثل المجد (ت: 652 هـ) يفتون بلزوم الثلاث في حال دون حال؛ إمَّا لكونهم رأوه من باب التعزير الذي يجوز فعله بحسب الحاجة، وإمَّا لاختلاف اجتهادهم؛ قال بعض الحنابلة: يجوز العمل بمقتضى قول الشيخ- أي: بجعل طلاق الثلاث واحدة- بخاصة إذا دعت الضرورة إليه (2).
(د) المذهب عند الحنابلة: أَنَّه يَصِحُّ عفو النساء عن القصاص من زوجة ونحوها.
والقول الآخر في المذهب: أَنَّ القصاص مُورَّث للعصبات من الرجال خاصة، وليس للنساء عفو، اختاره شيخ الإسلام ابن تَيميَّةَ (ت: 728 هـ) (3).
والعمل على الأول، ويجوز الأخذ بالقول الآخر إذا اقتضاه
(1) النوازل للعلمي 91، 92.
(2)
مجموع الفتاوى 33/ 93، الاختيارات 256، مطالب أولي النهي 6/ 446.
(3)
الإنصاف 9/ 482 - 483، الاختيارات 293.
الحال من ضرورة أَوْ حاجة؛ قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389 هـ): "لكن إذا كثر التحيل لإسقاط القصاص فلعل في مثل هذه الحالة إذا تسلط العتاة وخيف اختلال الأمن بكثرة العفو، وصار سُلَّمًا لسفك الدماء، وإسقاط موجبها، ففي مثل هذه الحالة يجوز ضرورةً العملُ بالقول الآخر الذي اختاره الشيخ تَقِيّ الدين"(1).
(هـ) ظاهر مذهب الحنابلة: أَنَّ الورثة إذا كان فيهم صغير، ووجب لهم القصاص من قاتل مورثهم فإنَّ القصاص يؤجل حتى يبلغ الصغير.
وفي رواية للِإمام: أَنَّ القصاص يُستَوفى بناءً على طلب الكبار العقلاء، ولا ينتظر بلوغ الصغار وطلبهم (2).
والقول الأول هو الذي عليه العمل، ويجوز الأخذ بالقول الآخر عند الاقتضاء من ضرورة أَوْ حاجة، كأَنْ يكون القتل قد تمَّ بطريقة فيها مغالبة أَوْ مخادعة لا تصل إلى حد الحرابة أَوْ الغيلة، وفي تعجيله تحقيق لمصلحة الزجر، واستتباب الأمن الذي تحتاجه الأمة جميعًا.
* * *
(1) فتاوى ورسائل 11/ 272.
(2)
المغني 9/ 458 - 459.