الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
أصول تفسير سكوت المكلف الملابس للقرينة
هناك أصول يرجع إليها عند تفسير السكوت الملابس للقرينة، وهي:
1 - الشرع:
فإذا كان ثَمَّ سكوت، ودَلَّ الشرع على تفسيره بما يَدُلُّ على القصد والإِرادة وَجَبَ إعماله.
مثال ذلك: سكوت البكر البالغة بعد استئذانها في التزويج، فإنَّه رضًا بالزوج، وموافقة على نكاحه؛ لأَنَّ الحياء يمنعها من التصريح بالرضا، فعن ابن عباس- رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستَأمَر، وإذنها سكوتها"(1).
(1) رواه مسلم 2/ 1037، وهو برقم 67/ 1421.
ومن ذلك: إذا كان السكوت تغريرًا أَوْ ضررًا (1).
ودليله: نَهْيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"(2).
وهذا صريح في الضرر، والتغريرُ مثله؛ لأَنَّ في ترك إعماله عند مقتضيه ضرر على المغرور.
ومن أمثلته: أَنَّ العين المرهونة إذا بيعت مع علم المرتهن وسكوته فيكون ذلك من المرتهن كتمانًا وتغريرًا بالمشتري، والغارُّ ضامن (3).
ومن ذلك: من رأى أَوْ علم أَنَّ ولده يتصرف بتأجير حوانيته، وقبض الأجرة، فيكون ذلك توكيلًا له، ولا يقبل من المالك نقض العقد مع المستأجر، ولو فرض أَنَّه لم يوكله فإنَّه غار بعلمه وسكوته عن الناس يتعاملون معه، والغارُّ ضامن (4).
يقول ابن تَيْمِيّهَ (ت: 728 هـ): "لا يقبل قوله في إنكار الوكالة مع كونه يتصرف له تصرف الوكلاء مع علمه بذلك وكونه معروفًا بأَنَّه
(1) المدخل الفقهي للزرقاء 2/ 974.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
الاختيارات 158.
(4)
الاختيارات 138، 158، 163، مجموع الفتاوى 29/ 20، الفروع 4/ 335، حاشية العنقري 2/ 237، حاشية ابن قاسم على الروض المربع 5/ 226.
وكيل بين الناس، حتى لو قدر أَنَّه لم يوكله- والحالة هذه- فتفريطه وتسليطه عدوان منه يوجب الضمان" (1).
وهذا كحال بعض الناس اليوم: يضعون عمالهم في حوانيتهم فيبيعون ويشترون، وظاهر حال أرباب الأموال علمهم بذلك، وسكوتهم عنهم، فإذا وجب عليهم غرم من ثمن مبيع ونحوه أنكروا توكيلهم، فلا يسمع منهم ذلك، بل يضمنون.
ومن أمثلة الضرر: شروطٌ هي من مقتضى العقد، مثل: تسلّم الثمن والمثمن، فإنَّها تلزم ولو سكت عنها المتعاقدان؛ لأَنَّ في تركها والإِعراض عنها ضررًا على المتعاقدين أَوْ أحدهما.
ومن ذلك: أَنَّ الساكت عن جواب الدعوى يُعَدُّ ناكلًا، تسمع عليه البينة- إن كانت- بعد إنذاره بذلك، وإلَّا استُحلف المدعي وقضي على الساكت بعد إنذاره بذلك (2)؛ لأَنَّ في إيقاف الدعوى عند سكوت المدعى عليه ضررًا على المدعي (3).
ومن ذلك: أَنَّه إذا توجهت اليمين على المدعى عليه ثم سكت فإنَّه يُعَدُّ ناكلًا ويقضى عليه بعد إنذاره بذلك- زاد بعضهم مع يمين
(1) مجموع الفتاوى 30/ 69، 70.
(2)
شرح المنتهى 3/ 495، المغني 11/ 456، المحرر 2/ 209، الإِنصاف 11/ 264، المبدع 10/ 690.
(3)
المدخل الفقهي للزرقاء 2/ 974.