الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجارة المشاع لغير الشريك، وصوبه في الإِنصاف، وقال في التنقيح: وهو أظهر وعليه العمل (1).
وعليه يجبر الشريك إذا أبي الإجارة (2)، وهذا القول ظاهر في اعتبار حفظ المال من الإهدار ما أمكن.
وعلى القول الأول: لا يَصِحُّ نقض العقد في هذه الواقعة، بل يجبر الممتنع على التأجير من وجه آخر وهو أَنَّ العقار به غراس محتاج للسقيا والعمارة، ومن كان بينهما مال مشترك محتاج للإِصلاح أُجْبِر الشريك على إصلاحه مع شريكه (3).
فمراعاة حفظ المال من الإهدار ما أمكن عند تَوْصِيف الأَقْضِيَة أمرٌ مقرر شرعًا.
2 - ثبات التعامل بين الناس واستقراره:
ثبات التعامل بين الناس واستقراره مراعىً في الشريعة؛ لما في ذلك من صيانة الحقوق، واطمئنان المتعاقدين على تعاملهما (4)، فإذا عرض للقاضي عقد أَوْ شرط تردد توصيفه بين موجب الاستقرار والثبات في التعامل أَوْ ضده حُمِلَ على موجب الاستقرار؛ يقول ابن
(1) الإنصاف 6/ 33، التقح 164، الروض المربع 5/ 309.
(2)
مختصر الفتاوى المصرية 323.
(3)
الروض المربع 5/ 158.
(4)
مقاصد الشريعة 175، 181، 183.
عاشور (ت: 1393 هـ): "وقد يقع الإغضاء عن خلل يسير ترجيحًا لمصلحة تقرير العقود، كالبيوع الفاسدة إذا طرأ عليها بعض المفوتات المقررة في الفقه"(1)، وهذا ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، ومن معارضة الأقوى ما ذكره ابن فرحون (ت: 799 هـ)، فقد قال:"ينبغي للقضاة إذا رفعت إليهم أمور مشكلة، ولم يجدوا لها مخرجًا أَنْ يفسخوها، ويأمروهم بالابتداء"(2).
فإذا اختلف شخصان في عقد إجارة على عمل الإنسان مثلًا، وكانا في أوائلها لم يباشرا تنفيذ العقد، وكانت بينهما أمور مشكلة في تفسيره، فربما كان فسخه أدعى لقطع الخصومة بينهما، وأجدى في منع سوء تنفيذ العمل بينهما لو استمرا فيه مع التضاد والتشاحن، لكن لا يتم ذلك إلَّا بعد تسبيب صَحِيح يذكر فيه مسوغ الفسخ.
وسوف أذكر بعض الضوابط والأمثلة في مراعاة ثبات التعامل واستقراره فيما يلي:
(أ) حمل العقد والشرط على الصِّحَّة ما أمكن:
فإذا صدر شرط أَوْ عقد، ووجد وجه لحمله على الصِّحَّة، حمل عليه ووصف به (3).
(1) مقاصد الشريعة 183.
(2)
تبصرة الحكام 1/ 44.
(3)
القواعد النورانية 206، مجلة الأحكام العدلية (م 83)، وشرحها لحيدر 1/ 74، القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير 491.
ومن ذلك: ما ذكره الحنابلة من صِحَّة اشتراط الخيار للأجنبي، وحملوه على أَنّه اشتراط لنفسه وتوكيل للأجنبي في الخيار.
وعللوا ذلك: بأن تَصْحِيح الاشتراط ممكن، فوجب حمله على الصِّحَّة صيانة لكلام المكلف عن الإلغاء (1).
ومن ذلك: أَنَّ الأصل في العقود حملها على السلامة من المفسد، كما لو ادعى أحد المتعاقدين صغره حين التعاقد، وادعى خصمه بلوغه فالقول قول مدعي البلوغ؛ حملًا للعقد على الصِّحَّة واستكمال شروطه (2).
(ب) تَصْحِيح العقود والشروط إذا ترتب على إبطالها ضرر:
قد يتوجه في عقد أَوْ شرط إبطاله، ولكن ذلك يؤدي إلى ضرر عظيم، فيعدل القاضي عن ذلك، ويصحح العقد والشرط ما أمكن؛ دفعًا لذلك الضرر والمفسدة، ويُوَصِّف الواقعة بذلك، وذلك مثل تَصْحِيح تصرف ناظر الوقف، وولي القاصر ونحوهم مع ظهور خيانتهم إذا ترتب على إبطال تصرفهم ضرر، وهكذا تَصْحِيح تصرف البغاة إذا وافق الحق (3).
(1) الكشاف 3/ 204، المغني 4/ 100، الاشتراط لمصلحة الغير 245.
(2)
الفوائد الزينية 177، الطريقة المرضية 46، المنثور 1/ 154، القواعد لابن رجب 341.
(3)
مجموع الفتاوى 29/ 250، قواعد الأحكام 1/ 79، نظرية المصلحة لحسان 301.
يقول ابن تَيْمِيَّةَ (ت: 728 هـ): "لو قدر أن ناظر الوقف ووصيّ اليتيم والمضارب والشريك خانوا ثم تصرفوا مع ذلك فلا بُد من تَصْحِيح تصرفهم في حق المشتري منهم وحق رب المال، وإلَّا فلو أُبطل ذلك فسد عامة أموال الناس التي يتصرف فيها بحكم الولاية والوكالة؛ لغلبة الخيانة على الأولياء والوكلاء، لا سيما ويدخل في ذلك من تصرفات ولاة الأمور ما لا يمكن إبطاله، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فلا يجوز لأحد رعاية حق مجهول في عين حصل عنها بدل خير له"(1).
(ج) إبقاء الحال على ما وقعت عليه إذا ترتب على نقضها مفسدة أعظم:
كل فعل خالف الحكم الشرعي فهو مهدر؛ لأَنَّ الحكم هو عين المصلحة، لكن قد يعرض من الوقائع ما يتجاذبه احتمالانِ الدليلُ في أحدهما أظهر والاحتمال الثاني له دليل ملحوظ في الجملة، ويترتب على تَوْصِيف الواقعة بالاحتمال الأول مفسدة عظيمة عُهد من الشارع مراعاة دفعها، ويمكن درؤها يحمل الواقعة على الاحتمال الثاني وتوصيفها به، فيتعين هذا التَّوْصِيف؛ لأن ذلك وافق دليلًا في الجملة هو أولى بالإعمال بعد الوقوع.
يقول الشاطبي (ت: 790 هـ): "فمن واقع منهيًا عنه فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائدًا على ما ينبغي بحكم التبعية لا
(1) مجموع الفتاوى 29/ 250.
بحكنم الأصالة، أَوْ مؤديًا إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهي فيترك وما فعل من ذلك، أَوْ نجيز ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل نظرًا إلى أن ذلك الواقع وَاقَعَ المكلف فيه دليلًا على الجملة، وإن كان مرجوحًا فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أَنَّ النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع؛ لما اقترن به من القرائن المرجحة، كما وقع التنبيه عليه في حديث تأسيس البيت على قواعد إبراهيم (1)، وحديث قتل المنافقين (2)، وحديث البائل في المسجد (3) " (4).
(1) وهو عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة، لولا قومك حديثو عهد بجاهلية - أَوْ قال: بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر" متفق عليه، واللفظ لمسلم، فقد رواه البخاري (الفتح 1/ 224)، وهو برقم 126، ومسلم (2/ 968 - 969)، وهو برقم 1333.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
وهو عن أنس بن مالك رضي الله عنهما: "أنَّ أعرابيًّا قام إلى ناحية في المسجد، فبال فيها، فصاح به الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه، فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ فصُبَّ على بوله" متفق عليه، واللفظ لمسلم، فقد رواه البخاري (الفتح 10/ 449)، وهو برقم 6025، ومسلم (1/ 236)، وهو برقم 284.
(4)
الموافقات 4/ 203.