الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني التعارض والجمع والترجيع بين البينات القضائية
سبق بيان المراد بالتعارض، والجمع والترجيح لما يصدر من المكلف في تعاقد ودعوى ونحوهما، وذلك في مستهل المطلب السابق، وهو لا يختلف عن المراد به هنا في البينات القضائية.
طرق الجمع والترجيح بين البيانات القضائية:
أشير إلى جملة من الأحكام المتعلقة بالتعارض وطرق الجمع والترجيح بين البينات القضائية، وهي:
1 -
الترجيح بين البينات القضائية معتبر كاعتباره بين الأدلة الشرعية (1):
فإذا تعارضت البينات القضائية قُدِّم الأقوى فالأقوى دلالة، فيقدم الإِقرار على الشهادة، ثم الشهادة التامة على الشاهد واليمين، ثم القرينة مع اليمين على اليمين المجردة، والكتابة في الجملة مقدمة على الشهادة (2).
(1) شرح مختصر الروضة 3/ 680.
(2)
المغني 5/ 271، وسائل الإِثبات 752.
وقد يُخْرَج عن ذلك لمقتضٍ شرعي، فقد حقق ابن القَيِّمِ (1) (ت: 751 هـ) تقديم القرائن القوية عند الاقتضاء على الإِقرار مستدلًّا بحديث أبي هريرة- رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنتِ، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك أنتِ، فتحاكمتا إلى داود- عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود- عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل - يرحمك الله- هو ابنها، فقضى به للصغرى"(2).
كما حقق ابن القَيِّمِ تقديم القرائن القوية على الشهادة عند الاقتضاء، فهو يقول:"وهل يشك أحد في أن كثيرًا من القرائن تفيد علمًا أقوى من الظن المستفاد من الشاهدين بمراتب عديدة"(3).
2 -
إذا تعارضت الشهادتان من شهود مختلفين سلكنا طريق الجمع:
فيحمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد، كما يجمع بين الشهادتين باختلاف الحال (4).
(1) إعلام الموقعين 4/ 371، الطرق الحكمية 6.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
بدائع الفوائد 3/ 118، وفي المعنى نفسه: الطرق الحكمية 32.
(4)
تعارض البينات للشنقيطي 191 - 198.
أَمَّا لو تعارضت شهادة رجل واحد، فيطلب منه تفسيرها قبل الحكم، فإذا فسَّرها أُعمِل تفسيره بيانًا، وتخصيصًا وتعميمًا، وإطلاقًا وتقييدًا؛ لأن له الزيادة فيها والنقص منها قبل الحكم.
أَمَّا إذا فسرها بعد الحكم بما يعارض دلالتها قبل الحكم فيكون رجوعًا عنها تجري عليه أحكام الرجوع (1).
3 -
إذا تعذر الجمع سلكنا طريق الترجيح بتقديم إحدى الشهادتين وإلغاء الأخرى:
وذلك كتقديم الشهادة التي بينت سبب الملك على الشهادة التي أطلقته، كما ترجح الشهادة الأسبق تاريخًا بالملك على المتأخرة إذا عُلِم تاريخهما، كما ترجح الشهادة المثبتة على الشهادة النافية، والشهادة المتضمنة لزيادة علم أَوْ لزيادة الحق على ضدها، وتقدم الشهادة الناقلة عن الأصل على الشهادة المستصحبة للأصل أَوْ المبقية عليه، كما ترجح الشهادة التي معها يد على ضدها، والشهادة التي حضر صاحبها الواقعة على غيره (2).
4 -
إذا تعذر الجمع والترجيح قسمنا المشهود عليه إذا كان عينًا:
وذلك كدعوى اثنين عينًا ليست في يد أحدهما ولكل واحد
(1) انظر ما سبق في المبحث السادس من الفصل الثالث من الباب الثاني.
(2)
تعارض البينات للشنقيطي 199 - 255، وترجيح الشهادة التي حضر صاحبها الواقعة مأخوذ من ترجيح الأدلة الشرعية [البحر المحيط 6/ 154].
منهما بينه لا مزية لإِحداهما على الأخرى فتقسم العين بينهما (1).
تنبيه: وقد لا تتجه القسمة مع تعارض البينات فيصار إلى القرعة، كاللقيط يلتقطه اثنان يكون عند أحدهما بقرعة عند التنازع (2).
5 -
يعمل بالبينة في حال أَوْ نوع دون غيره:
إنَّ البينة عند تعارضها قد يعمل بها في حال أَوْ نوع دون غيره كما حققه ابن تَيْمِيَّةَ (ت: 728 هـ)؛ جاء في الاختيارات: "وينبغي أَنْ نقول في الشهود ما نقول في المحدثين، وهو أنَّه مِن الشهود مَنْ تقبل شهادته في نوع دون نوع، أَوْ شخص دون شخص كما أَنَّ المحدثين كذلك"(3).
6 -
ترجح بعض البينات على بعض بالنسخ:
وذلك كما لو شهدت بينتان كل واحدة بعقدٍ أحدُهما متأخر عن الآخر، والعقدان على محل واحد، وفي موضوع واحد وبينهما تعارض، وتعذر الجمع ووجوه الترجيح الأخرى، فيكون العقد المتأخر ناسخًا للعقد المتقدم، محمولًا على الإِقالة منه، ويعمل بالمتأخر، ولم أقف على من ذكره، لكن الأصول تقتضيه، ولا
(1) تعارض البينات للشنقيطي 257 - 289.
(2)
المرجع السابق.
(3)
ص 357.