الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني أهمية تنقيح الوقعة القضائية المؤثرة
لتنقيح الوقائع القضائية أهمية كبيرة عند تَوْصيفها، فتنقيحها يبين ما يتعلق به الحكم فيعتد به، وما لا يتعلق به الحكم فيلغى، وبذلك يتمكن القاضي من تحديد الوقائع المؤثرة في الحكم أصليةً أَوْ تبعيةً، والنظرِ في إثباتها بطرق الحكم، وتَوْصِيفِها، والحكمِ فيها، وبدون ذلك قد يستطرد القاضي في إثبات بعض الوقائع غير المؤثرة، فيضيع جهده ووقته، ويتعب الخصوم، ويطول أمد الفصل في القضية في أمرٍ لا فائدة فيه.
ولذلك فلا غرو أَنْ تتواصل كلمات العلماء وتقريراتهم على الاهتمام بتنقيح الواقعة، من ذلك:
يقول الدبوسي (ت: 430 هـ): "الأصل عند أبي حنيفة: أَنَّ من جمع في كلامه بين ما يتعلق به الحكم وما لا يتعلق به الحكم فلا عبرة لما لا يتعلق به الحكم، والعبرة لما يتعلق به الحكم والحكم يتعلق به، فكأَنَّه لم يذكر في كلامه سوى ما يتعلق به الحكم"(1).
(1) تأسيس النظر 29.
ويقول الماوردي (ت: 450 هـ) - فيما سماه بالدعوى الزائدة-: "
…
أَنْ تكون الزيادة هدرًا غير مؤثرة، كقوله: ابتعت منه هذا العبد في بلد كذا، أَوْ في سوق كذا، فلا يؤثر في الدعوى، ويطرح للحاكم (1) سماعها" (2).
ويقول ابن عرفة (ت: 803 هـ): "فقه القضاء والفتيا مبنيان على إعمال النظر في الصور الجزئية، وإدراكِ ما اشتملت عليه من الأوصاف الكائنة فيها، فيلغي طرديها، ويعمل معتبرها"(3).
ويقول ابن خلدون (ت: 808 هـ): "وربما تركبت الواقعة من عدة أبواب، فليفحص عن ذلك، وليميز لكل باب محله منها، ثم ينقح الواقعة بأخذ ما يتعين اعتباره، وإلغاء ما لا مدخل له في الحكم بحذف، إن اختل زلت قدم الحاكم {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} [القارعة: 9 - 11]، ثم يطبق الحكم العدل على ما ينقح له"(4).
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم (ت: 1389 هـ): "إنَّ القاضي
(1) هكذا في الأصل: للحاكم، ولعل صوابها: الحاكم.
(2)
الحاوي 17/ 299.
(3)
نقلًا عن مواهب الخليل 6/ 87، البهجة 1/ 36 تهذيب الفروق 4/ 97، الفكر السامي 2/ 428، وفي المرجع الأخير قال: أشار لهذا ابن عرفة، وأصله لشيخه ابن عبد السلام.
(4)
مزيل الملام 115.
إذا جلس إليه الخصوم فعليه أَنْ يجتهد في كل طريق لإِيضاح وجه الحكم وتبيينه، وإيصالِ الحق إلى صاحبه
…
ويستفسر من الخصوم عن كل ما تتطلبه القضية، ويحدد الدعوى، وهذا لا يتأتى غالبًا إلَّا بزيادة وإيضاحات
…
فعلى القاضي أَنْ يسلك أقرب الطرق التي تنهي القضية، ولا يطيل على الخصوم الأخذ والرَّد، أَوْ يتركهم يتخبطون في وجهة غير مجدية، وهو يجد لهم طريقًا شرعية أقرب منها، وكل هذا من أعمال القاضي المسؤول عنها" (1).
* * *
(1) فتاوى ورسائل 12/ 381.