الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمَّا الوجود المعنوي للواقعة القضائية: فهو تأثيرها في الحكم، وقد سبق تعريف الواقعة المؤثرة (1)، وهو الوجود المعنوي للواقعة.
مشروعية إثبات الواقعة القضائية:
القضاء لا يقوم على الثقة بكلام الخصم- المدعي أَوْ المدعى عليه-، بل الأصل أَنَّ ما يدعيه الخصم غير ثابت بمجرد قوله، ولذا جاءت الحاجة إلى إثبات الوقائع المؤثرة في الحكم بطرقه المقررة (2)، وقد أمر الله- عز وجل في كتابه بكتابة الديون والحقوق، قال - تعالى-:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، ففي هذه الآية الأمر بكتابة الدين، وذلك صيانة له من الجحود، وحفظًا له من الإِنكار عند الخصومة.
وفي قصة خصومة الحضرمي والكندي حين ادعى الحضرمي على الكندي بأَنَّه غلبه على أرض كانت لأبيه، فرد الكندي على الدعوى بأَنَّ الأرض أرضه وفي يده يزرعها وأنّه ليس للمدعي فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألك بينه؟ قال: لا، قال: فلك يمينه"(3)، فلا بُدَّ للقاضي من العلم بما يقع، ثم يحكم بما يجب (4)، وطريق العلم بما يقع هو البينة المثبتة للواقعة.
(1) انظر: الفقرة (أولًا) من المبحث الثاني من الفصل الأول من الباب الثاني.
(2)
فتح الباري 5/ 247، شرح مسلم للنووي 12/ 3.
(3)
رواه مسلم 1/ 123 - 124، وهو برقم 139/ 223 من حديث وائل بن حجر.
(4)
إعلام الموقعين 1/ 105.
فعلى القاضي الاجتهاد، والتثبت من الوقائع، وتتبع طرق ثبوتها من البينات الشرعية الدالة عليها، فإنَّه لا يتم الحكم بالحق إلَّا بذلك؛ فعن عمرو بن العاص أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(1).
ومن الاجتهاد في القضاء بذلُ الوسع بالنظر في إثبات الوقائع والتحقق من وجودها أَوْ انتفائها.
قال الشوكاني (ت: 1250 هـ): "
…
لأنَّ الاجتهاد هذا بلاغ الجهد في تتبع وجوه الحكم، والنظر في مشتبهات الأدلة، والموازنة بين الحجج التي لها مدخل في تلك الحادثة" (2).
* * *
(1) سبق تخريجه.
(2)
السيل الجرار 4/ 263.