الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرق الحكم هي من أدلة وقوع معرفات الأحكام والتي لا تنحصر (1).
ضوابط طرق الإِثبات:
لطرق الحكم والإِثبات ضوابط عامة في الجملة تجب مراعاتها، وهي:
1 -
أَنْ تتقدم البينة دعوى إن كانت في الحقوق الخاصة:
فلا تسمع البينة ولا يعمل بها إلَّا إذا وقعت بعد دعوى صَحِيحة، مستوفية لشروط صِحَّتِها؛ لأَنَّ القاضي إذا سمع الدعوى وجوابها فَهِمَ الواقعة واستطاع تحديد الأوصاف المؤثرة التي يتوجه عليها الإِثبات، وهذا جارٍ في الشهادة (2) كما يجري في الأيمان (3).
لكن دعوى الحسبة يجوز سماع الشهادة فيها من غير تقدم
(1) معين الحكام للطرابلسي 68، تبصرة الحكام 1/ 240، مجموع الفتاوى 35/ 394، إعلام الموقعين 1/ 90، الطرق الحكمية 15، بدائع الفوائد 3/ 118، الدراري المضية للشوكاني 2/ 420، ظفر اللاضي 18.
(2)
بدائع الصنائع 6/ 277، الفوائد الزينية 91، تبصرة الحكام 1/ 186، شرح الزرقاني 7/ 138، أدب القضاء 383، أدب القاضي للماوردي 2/ 341، 344، قواعد الحصني 4/ 256، المغني 11/ 450، الإِنصاف 11/ 246.
(3)
الفروق 4/ 80، عقد الجواهر 3/ 201، التنقيح المشبع 301، الإِنصاف 11/ 252، شرح المنتهى 3/ 482.
دعوى، بل شهادة الشاهد بها تُعَدُّ دعوى (1)، ولذا تسمع بينة بطلاق على الزوج ولو أنكرته الزوجة (2).
2 -
أَنْ يكون سماعها عند ذي ولاية مختص:
فلا تسمع البينة، ولا يعمل بها إلَّا إذا وقعت في مجلس القضاء عند مختص من قاض ومحكَّم؛ لأَنَّ الغرض من سماعها إعمالها، ولا يكون ذلك إلَّا من قِبَل المختص، وذلك جارٍ في الشهادة كما يجري في الأيمان (3).
3 -
أَنْ يكون سماعها بحضور طرفي النزاع:
فلا تسمع البينة، ولا يعمل بها إذا سمعت في غيبة أحد الخصمين، بل لا بُدَّ من حضورهما مدعيًا ومدعى عليه؛ لأَنَّ حضور الخصمين عند أدائها مما يشعرهما بالاطمئنان على حسن أدائها، وهذا جار في الشهادة (4)، والأيمان (5).
(1) مغني ذوي الأفهام 236، الكشاف 6/ 331، الدرر السنية 4/ 506.
(2)
الكشاف 6/ 331.
(3)
بدائع الصنائع 6/ 277، قرة عيون الأخيار 1/ 309، تبصرة الحكام 1/ 56، 227، عقد الجواهر 3/ 133، الحاوي 17/ 56، أدب القاضي لابن القاص 1/ 235، نهاية المحتاج 8/ 354، المغني 11/ 411، 432، الكشاف 6/ 337، الإِنصاف 5/ 12، شرح المنتهى 3/ 497.
(4)
المبسوط 16/ 94، 97، حلية العلماء 8/ 149، تحفة المحتاج 8/ 280، الإِنصاف 11/ 301، 333، 10/ 147، الكشاف 6/ 355.
(5)
معين الحكام للطرابلسي 22، شرح الزرقاني 7/ 219، الإِنصاف 10/ 147، =
وإذا كانت الدعوى على غائب ونحوه، أَوْ تَبَلَّغَ المدعى عليه بجلسة سماع البينة ولم يحضر سُمِعَت الشهادة من غير حضور المتخلف، ومتى حضر تُلِيَت عليه الشهادة (1)، وهكذا إذا أذن المشهود عليه بسماعها في غيبته جاز وسُمِعَت.
وإذا كان إثبات الشهادة عن طريق الاستخلاف، وطلب المشهود له أَوْ عليه حضور جلسة سماع الشهادة فله ذلك (2)، وهكذا اليمين.
4 -
ألَّا يكذب البينة العقل أَوْ الحس أَوْ ظاهر الحال:
فإذا كذب البينةَ العقلُ، أَوْ الحس، أَوْ ظاهر الحال فلا يعمل بها، بل تهمل وتهدر، وهذا يجري في الشهادة، كما يجري في الأيمان، والإِقرار، يقول عبد العزيز بن عبد السلام (ت: 660 هـ): "والقاعدة في الأخبار من الدعاوى، والشهادات، والأقارير، وغيرها: أَنَّ ما كذبه العقل، أَوْ جوزه وأحالته العادة فهو مردود، وأَمَّا ما أبعدته العادة من غير إحالة فله رُتَبٌ في البعد والقرب قد يختلف فيها، فما كان أبعد وقوعًا فهو أولى بالرد، وماكان أقرب وقوعًا فهو أولى بالقبول، وبينهما رُتَبٌ متفاوتة"(3).
= الروض المربع 7/ 298.
(1)
تبصرة الحكام 1/ 57، الروض المربع 7/ 556.
(2)
فتاوى ورسائل 13/ 13.
(3)
قواعد الأحكام 2/ 125.
ومثال ما كذبه الحس: أَنْ تشهد بينة بأَنَّ محمدًا قتل زيدًا، وزيد هذا حيُّ.
ومثال ما كذبه العقل: أَنْ تشهد البينة بأَنَّ زيدًا قتل عَمْرًا قبل عشرين سنة، وسِنُّ زيد دونها.
ومثال ما كذبه ظاهر الحال: أَنْ تشهد بينة بشيء ترده العادة، مثل: أَنْ يشهد الشهود بأَنَّ فقيرًا قد أقرض مالًا عظيمًا لأحد الأغنياء، ويبعد عادة أَنْ يصيب الفقيرُ هذا المالَ في حياته (1).
5 -
أَنْ تحرر البينة محل الإِثبات:
فإذا لم تحرر البينة المثبتة محل الإِثبات، فتُبيّنُ قدره، وحدوده، وأوصافه المؤثرة في الحكم الرافعة للجهالة عن المثبت فلا تقبل، ويجري ذلك في الشهادة، فيحرر الشاهد شهادته، كما يحرر المدعي دعواه، وإذا كان المشهود عليه نحو عقار وتعذر عليه تحديده حين أداء الشهادة لدى القاضي وَقَفَ الشاهد مع أهل الخبرة على الشيء المشهود عليه، وبيَّنه بحضرتهم، ونقلوا ذلك للقاضي.
وإذا شهد الشاهد بنكاحٍ ذَكَرَ شروطه، أَوْ شهد بسرقة لإِقامة الحد بيَّن الشروط الموجبة له، وإذا سكت الشاهد عن بيان شيء من ذلك سَأَلَه القاضي عنه حتى تكون الشهادة مكررة معلومة المشهود عليه (2).
(1) قواعد الأحكام 2/ 125، مغني ذوي الأفهام 238، وسائل الإِثبات 57، 58.
(2)
أدب القاضي للخصاف وشرحه للجصاص 382، أدب القاضي للخصاف =
وكما يجري ذلك في الشهادة فإنَّه يجري في الإِقرار، فيبين فيه المقرّ، والمقرّ له، والمقرّ به، فلو قال واحد من جماعة: في ذمة أحدنا لزيد مائة ألف لم يَصِحَّ، ولو قال المقرّ: في ذمتي مائة ألف ريال، وسكت، ولم يبين المستحق لم يَصِحَّ.
والإِقرار بدين ونحوه يَصِحُّ مجهولًا، ويطلب بيانه وتفسيره من المقرّ، أَوْ حسب العرف ونحوهما من وجوه التفسير والبيان.
وهكذا إذا كان الإِقرار في تصرف لا يَصِحُّ مع الجهالة فلا بُدَّ من بيانه، مثل البيع والإجارة، أَمَّا إذا صَحَّ مجهولًا، مثل عوض الخلع، والوصية فيَصِحُّ مع الجهالة (1).
كما يجري في الأيمان: بأَنْ تشتمل صيغة اليمين على بيان المحلوف عليه (2).
6 -
أَنْ تكون البينة مشروعة في أصلها:
بأَنْ تكون معتدًّا بها شرعًا، فلا تكون البينة بطريق محرم،
= وشرحه لابن مازه 2/ 184، 210، 215، البناية 8/ 390، 393، درر الحكام لحيدر 4/ 332، القوانين الفقهية 262، تنبيه الحكام 217، مغنى المحتاج 4/ 413، نهاية المحتاج 8/ 277، المغني 12/ 135، 136، الكشاف 6/ 345، 408، 412، الروض المربع 7/ 587، فتاوى ورسائل 13/ 16.
(1)
الكشاف 6/ 480، الاختيارات 355، وسائل الإثبات 53، 249، 250.
(2)
وسائل الإِثبات 347، 349.
كالسحر، والكهانة، والشعوذة، والأعراف والعادات الجاهلية المخالفة للشرع.
كما لا تكون فيما لا يشرع جنسه، كالأحلام، والرؤى؛ لأَنَّ رؤيا المنام لا تثبت بها الأحكام (1).
7 -
أَنْ تكون البينة منتجة:
فإذا كانت البينة غير منتجة (مؤثرة)، ولا فائدة تترتب عليها فإنَّها لا تقبل، ولا يعمل بها.
ومن ذلك: من شهد بأَنَّ عَمْرًا قد اشترى متاعًا من زيد لم تقبل هذه الشهادة على ملكية زيد للمبيع إلَّا إذا شهدت بأَنَّ زيدًا كان يملك المبيع (2).
ومن شهد على إقرار مدعى عليه بموجب حدٍّ خارج مجلس القضاء لم تقبل هذه الشهادة فيما يوجب الحدّ؛ لأَنَ المقرّ لو أنكر، فهو رجوع عن الإِقرار، والرجوع عن الإِقرار فيما يوجب الحدّ مقبول، وهذا في الجملة (3).
8 -
ألَّا يكون فيها تهمة للقاضي:
فإذا كان في البينة تهمة للقاضي فلا تقبل؛ صيانةً للقاضي، وحفظًا لحقوق المترافعين.
(1) الكشاف 6/ 203، فتاوى ورسائل 12/ 280، وسائل الإثبات 59.
(2)
شرح المنتهى 3/ 540، الكشاف 6/ 411.
(3)
شرح المنتهى 3/ 348، الروض المربع 7/ 325، وسائل الإِثبات 53.
وذلك مثل: حكم القاضي بعلمه فيما يقع خارج مجلسه، ومكان حكمه (1).
ومثل: شهادة ابن القاضي، ومن لا تقبل شهادة القاضي له، فهذه الشهادة لا تقبل؛ لأَنَّ قبول القاضي لشهادتهم تزكية لهم، وليس له تزكيتهم (2).
9 -
أَنْ تكون البينة موافقة للدعوى في المعنى إذا كانت في الحق الخاص:
فلا يعمل ببينة خالفت الدعوى في المعنى؛ لأَنَّ الدعوى إذا كانت في شيء، وجاء الإِثبات على شيء آخر انخرمت الموافقة بينهما، فلا يقضى للمدعي بما ادعاه؛ لأَنَّه لم تقم بينة عليه، ولا يقضى له بالبينة المخالفة لدعواه؛ لأَنَّه لم يَدَّعِ ما قامت عليه البينة، لكن لو عَدَّل المدعي طلبه موافقًا لما قامت عليه البينة قضي له بما قامت عليه البينة إذا ساغ تعديل الطلب، وإلَّا رفع به دعوى جديدة متى شاء (3).
وهذا جارٍ في الإِقرار، والشهادة، واليمين.
(1) الطرق الحكمية 260، الروض المربع 7/ 542، وسائل الإِثبات 563.
(2)
الإِنصاف 12/ 67، حاشية العنقري على الروض 3/ 427.
(3)
بدائع الصنائع 6/ 273، أدب القاضي للماوردي 2/ 344، مغني المحتاج
4/ 484، شرح المنتهى 3/ 493، الكشاف 6/ 339، وسائل الإِثبات 51.
ولذلك فإنَّ من ادُّعِي عليه بشيء فأقر بغيره لزمه المقرّ به إذا صدقه المقرّ له وادعى بذلك وساغ تعديل الطلب، والدعوى الأساس بحالها لا يقضى فيها بإقرار لم يطابق الدعوى.
ومن شهد شهوده بشهادة مخالفة للدعوى، كما لو ادعى دنانير فشهد شهوده بدراهم أَوْ العكس لم تقبل (1).
ويكفي في مطابقة الشهادة للدعوى أَنْ يكون المشهود به أقل من المدعي به، فلو ادعى بمائة ألف ريال وشهد الشهود بخمسين ألف ريال قُبِلَت وحكم بها في المقدار المشهود به.
ولا يضر اختلاف الشاهدين في مقدار المشهود به، بل يكمل البينة على الأقل، ويحلف على الباقي مع شاهد الأكثر (2).
ولو شهد الشهود بحق زائد عن الدعوى لا شبهة في ثبوته فلا يكون ذلك مسقطًا للشهادة، بل للمدعي المطالبة بالزيادة إذا عدَّل الطلب في دعواه وساغ ذلك، فلو أقر الموقوف عليه أَنّه لا يستحق في هذا الوقف إلَّا مقدارًا معلومًا، ثم ظهر بشرط الواقف أَنّه يستحق أكثر حُكِمَ له بما ثبت، ولا يمنع ذلك إقراره المتقدم (3).
وهكذا صفة اليمين، يجتهد القاضي في إعداد صيغتها بحسب
(1) شرح المنتهى 3/ 493، 494، الكشاف 6/ 339.
(2)
شرح المنتهى 3/ 543، الكشاف 6/ 415.
(3)
السيل الجرار 4/ 134، ظفر اللاضي 155، الاختيارات 155.
موافقتها للدعوى والجواب والدفوع وما يراه القاضي مظهرًا للحق (1).
أَمَّا حقوق الله فلا يشترط موافقة الدعوى للبينة؛ لأَنَّه لا يشترط لها سبق الدعوى، بل يقضي بما وافق البينة ولو خالف الدعوى؛ لأَنَّ شهادة الشاهد بحق لله يُعَدُّ دعوى به وشهادة (2).
10 -
أَنْ تعتمد البينة في تحملها على طريق شرعي:
البينة مظهرة للحق، فلا بُدَّ عند تحملها أَنْ تعتمد على طريق شرعي في هذا التحمل.
فالشاهد لا يشهد إلَّا بما يعلمه؛ إما برؤية، أَوْ سماع من مشهود عليه، أَوْ بشمّ، أَوْ ذوق، أَوْ لمس فيما طريقه ذلك، أَوْ باستفاضة فيما يتعذر علمه بدونها، أَوْ بغلبة ظن فيما يتعذر فيه الجزم، مثل: شهادة أهل الخبرة بقيم المتلفات ونحوها (3).
والحالف يعتمد على علمه فيما يحلف عليه، كما يجوز أَنْ يعتمد على غالب ظنه فيما يحلف عليه من صدق شاهده، أَوْ رؤية خط أبيه بحق، أَوْ قرائن قوية يطمئن إليها كما في القسامة (4).
(1) وسائل الإثبات 347، 349.
(2)
الكشاف 6/ 331، شرح المنتهى 3/ 481.
(3)
المغني 12/ 19، 25، تبصرة الحكام 1/ 468، أدب القضاء 456، وسائل الإثبات 54.
(4)
الطرق الحكمية 14، الكشاف 6/ 435، وسائل الإِثبات 347.
11 -
أَنْ تستوفي البينة أحكامها المقررة:
فلا يعمل بالبينة إلَّا إذا استوفت أحكامها وشروطها المقررة في كل طريق ما يخصه من شروط وأحكام، فتستوفي الشهادة ما يلزم لها من نصاب وغيره، والكتابة تكون مأمونة من التزوير، وغير ذلك من الشروط، وهكذا في كل طريق من طرق الأحكام.
* * *