الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول وظيفة القاضي عند التوصيف
التَّوْصِيف لا بُدَّ له من أطراف ثلاثة: الحكم الكلي الفقهي الواضح ذو الصفات المؤثرة المحددة في الشرع نَصًّا أَوْ استنباطًا، وواقعة ثابتة، منقحة، مهذبة، مرتبة، تبدو للناظر وكأَنَّه لم يرد في الواقعة القضائية سواها، وقاضٍ يُجْرِي التَّوْصِيف، ويقرر أَنَّ الواقعة المعروضة عليه قد توفرت فيها الصفات المؤثرة، والتي يبينها الحكم الكلي الفقهي، وبين هذه الأطراف الثلاثة تلازم لا ينفك؛ لأن كل واقعة قضائية لا بُدَّ لها من حكم كلي فقهي، وقاضٍ يجرى التَّوْصِيف ويقرره عند تحققه.
إنَّ علاقة القاضي بالواقعة تبدأ منذ خطواتها الأولى، فهو الذي يتلقى الدعوى والإِجابة ودفوع الطرفين، وينقح الوقائع، ويسعى في التحقق من وجود الوقائع المؤثرة بطرق الحكم، ويحدد الحكم الكلي الفقهي ويفسره، ويقوم بتفسير الوقائع وأدلة الإِثبات،
ويستنبط منها ما يتلاءم مع الواقعة، مع لحظ عدم ما يعارضها، ثم يقوم بمطابقة الحكم الكلي على الواقعة القضائية بواسطة القياس القضائي، فإذا اشتركا في الأوصاف المؤثرة اتفقا في النتيجة، وهي تَوْصِيف الواقعة بالحكم الكلي.
فالخصوم يقدِّمون للقاضي الوقائع والبينات التي تمده بأسباب ثبوت الوقائع أَوْ انتفائها، وهو يقدم الحكم الكلي الملاقي للدعوى والذي يبين أوصافها ويطبق أحدهما على الآخر بعد تفسيرهما (1).
يقول ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ): "الحاكم محتاج إلى ثلاثة أشياء لا يَصِحُّ الحكم إلَّا بها: معرفة الأدلة، والأسباب، والبينات؛ فالأدلة تُعَرِّفُه الحكم الشرعي الكلي، والأسباب تُعَرِّفُه ثبوته في هذا المحل المعين وانتفاءه عنه، والبينات تُعَرِّفُه طريق الحكم عند التنازع"(2).
فوظيفة القاضي التحقّقُ من ثبوت الوقائع المؤثرة وتفسيرُها، وتحديدُ الحكم الملاقي لها وتفسيرُه، وتَوْصِيفُ الواقعة بالحكم الكلي ملتزمًا في ذلك بالدعوى، والإِجابة، والدفوع، والطلبات،
(1) مزيل الملام 111 - 121، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 277، تبصرة الحكام 2/ 56، شرح عماد الرضا 1/ 59، أدب القضاء 385، 395، 396، إعلام الموقعين 4/ 174، الاعتصام 2/ 161، وما سبق في وظيفة الشاهد والخصم في التَّوْصِيف، وذلك في المبحث الأول والثاني من هذا الفصل.
(2)
بدائع الفوائد 4/ 12.
والبينات، وأحكام المرافعات من الاختصاص وغيره، ومراعاة أصول التوصيف (1).
إنَّ التَّوْصِيف عمل لازم للقاضي يفعله ولو لم يطلبه منه أحد؛ لأَنَّه لا يمكنه الوصول إلى الحكم إلَّا به، وفي ذلك يقول ابن سعدي (ت: 1376 هـ): "لا بُدَّ للحاكم من الاجتهاد، وهو نوعان: اجتهاد في إدخال القضية التي وقع فيها التحاكم بالأحكام الشرعية، واجتهاد في تنفيذ ذلك الحق"(2).
* * *
(1) سبق بيان أصول التَّوْصِيف في المبحث الأول من الفصل الأول من الباب الثالث.
(2)
بهجة قلوب الأبرار 148.