الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس التَّوْصِيف المُضَادّ
والمراد به: تَوْصِيف دفع المدعى عليه بما يقطع ويسقط دعوى المدعى، فالمدعي وهو يدعي ويثبت دعواه ينتهي فيها القاضي إلى تَوْصِيف، ولكن ما يدفع به المدعي الدعوى هو الآخر يحتاج إلى تَوْصِيف على ضوء ما يثبت من وقائع، وقد ينتهي تَوْصِيف دفوع المدعى عليه بما يسقط تَوْصيف دعوى المدعي، فهو المراد بالتَّوْصيف المضاد.
وذلك مثل: أَنْ يدعي المدعي بأَنَّه باع سيارة على المدعى عليه، فيقر المدعى عليه بذلك، ولكنه يدفع بأَنَّ المدعي أقاله من هذا العقد، فهنا على القاضي التحقق مما دفع به المدعى عليه، فإذا توصل إلى توصيفه بالإقالة كان ذلك رافعًا لحكم ما وصف به دعوى المدعي.
وهكذا لو ادعى رجل دينًا على المدعى عليه، كقرض، ثم أقر
المدعى عليه بالقرض، ودفع بأنَّه قد باع على المدعي سيارة بمثل الدَّين، وطلب المقاصة، فإذا تحقق ما دفع به المدعى عليه، ووصف بأَنَّه بيع صَحِيح له آثاره، وتحقق صِحَّة المقاصة كان ذلك مضادًّا لتَوْصِيف تصرف المدعي وهو القرض، ورافعًا لحكم ما وصف به دعوى المدعي، وتساقط الدَّيْنان.
ومثال ثالث وهو لو أن رجلًا ادعى بشفعة في عقار على آخر لاشتراكهما في طريق غير نافذ، ودفع المدعى عليه بأَنَّه لا حقَّ للمدعي في الشفعة؛ لأنني شريك في الأصل مع البائع في العقار مشاعًا (1)، كما أنني شريك مع البائع والشافع في الطريق المذكور بملك آخر لي، وأنا أقرب جوارًا للمبيع (2)، فإذا تحقق ما دفع به المدعى عليه كان ذلك مضادًّا لما يثبت للمدعي من شفعة ودافعًا له؛ ذلك أَنَّ الدعوى لا تستقر على حال، بل تنتقل من حال إلى حال حسب إجابة المدعى عليه ودفوع الطرفين فيها، فيكون المدعى عليه مدعيًا في حال، كما يكون المدعي مدعى عليه في
(1) الشريك في العقار مشاعًا مقدم في الشفعة على شريك المنافع مع الجوار. [انظر: الإنصاف 6/ 256، حاشية العنقري على الروض 2/ 404، الدرر السنية 5/ 227].
(2)
الأقرب جوارًا من شركاء المنافع أحق بالشفعة [انظر: فتح الباري 4/ 438].
حال والدعوى واحدة (1)، ومن هنا كان مسوغ وجود التَّوْصِيف المضاد.
لكن التَّوْصِيف النهائي الذي يبنى عليه الحكم تنتفي فيه المضادة، ويثبت فيه تَوْصِيف واحد؛ فإذا ثبت الدفع وُصِّفَ جواب المدعي، وصير إلى أثره بما يسقط الدعوى، وإن لم يثبت وُصِّفَت الدعوى، وألزم المدعى عليه بأثرها.
* * *
(1) في تحول المدعي إلى مدعىّ عليه في حال، والمدعى عليه إلى مدَّع في حال [انظر: فتح القدير 6/ 130، المغني 12/ 162].