الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني مشروعية فحص التَّوْصِيف القضائي
إنَّ مراجعة التَّوْصِيف بعد تقريره وقبل إعلانه وترتيب الحكم القضائي عليه أمرٌ مشروع يَدُلُّ عليه ما يلي:
1 -
عن أنس- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنَّه كان إذا سلَّم سَلَّمَ ثلاثًا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا"(1).
فدَلَّ الحديث على أَنَّ إعادة الشيء ثلاثًا من كلام أَوْ سلام لغرض صَحِيح لأجل حفظه أَوْ درء خلل الفهم عنه أمرٌ مشروع، فهكذا إعادة تأمل التَّوْصِيف للتحقق من سلامة مبناه، وصِحَّة معناه، وتطابقه مع الشرع.
2 -
واستدَلَّ ابن خلدون (ت: 807 هـ) على ذلك بمشروعية تكرار الطهارة ثلاثًا، فقال - وهو يؤكد على القاضي الاستشارة فيما يشكل عليه-: "
…
ثم إذا رجع إليه الجواب كرر النظر فيه، وراجع الكتب المعتمدة حتى يتضح الحال جدًا
…
متنبهًا من شرعية
(1) رواه البخاري (الفتح 1/ 188)، وهو برقم 95.
الغسلة الثانية والثالثة، على أَنَّ الاستظهار بعد تحقق الطهارة مطلوب طلبًا مؤكدًا، وإنَّما ذكرت هذا دون غيره لتكرره في كل يوم، فيكون تذكره كلما فعل، ولاعتياد النفس له حتى صار من خفته عليها كالطبع لها فلا تنفر من نظيره" (1).
وحدَّثَ جابر بن عبد الله- رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثًا"(2)، وهي غسلات مكرر ثانيها وثالثها (3).
قال ابن خلدون في التأكيد على فحص التَّوْصِيف ومراجعته: "ثم يطبق الحكم العدل على ما ينقح له، فإذا وضح له أَنَّه طبقه سواءً كَرَّرَ التأمل والتفحص حتى يتبين ذلك كالشمس المضيئة
…
فإذا لم تبق مرية البتة
…
حكم وألزم، ثم التصميم بعد ذلك على الحق أهم مهم، وألزم لازم، وما الإحسان إلَّا بالتمام" (4).
* * *
(1) مزيل الملام 120.
(2)
متفق عليه، فقد رواه البخاري، (الفتح 1/ 367) من حديث جابر- رضي الله عنه، وهو برقم 255، ومسلم (1/ 253، 254)، وهو برقم 35/ 316، 37/ 316 من حديث عائشة وحديث ميمونة رضي الله عنهما.
(3)
فتح الباري 1/ 367.
(4)
مزيل الملام 118، وانظر- أيضًا- ما ذكره من مراجعة الحكم بعد صدوره في ص 125 [المرجع السابق نفسه].