الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني تقرير الحكم القضائي وعلاقته بالتوصيف
إنَّ القاضي بعد أن يُوَصِّف الواقعة القضائية بتطبيق الأوصاف المقررة في مُعَرِّفَات الحُكْم الكلي عليها يكون قد فرغ من التَّوْصِيف، ويتلو ذلك تبيين الأثر المترتب على هذه الواقعة الموصفة، وهو الحكم التكليفي والإلزام به في حكم قضائي ظاهر، يقول ابن خلدون بعد أن ذكر تحديد الحكم الكلي الملاقي للواقعة وتنقيحها: "ثم يطبق الحكم العدل على ما ينقح له (1)
…
فإذا لم تبق مرية البتة حكم وألزم" (2).
ويقول علي حيدر (كان حيًّا عام 1327 هـ): "إذا تمت المحاكمة ووجد سبب وشروط الحكم فالقاضي مجبور بإصدار الحكم فورًا"(3).
(1) المراد بتطبيق الحكم العدل على الواقعة المنقحة: التَّوْصِيف.
(2)
مزيل الملام 115، 117، 118.
(3)
درر الحكام 4/ 570.
إنَّ الحكم الكلي الفقهي الموصِّف للواقعة متضمن لحكمها التكليفي ومستلزم للحكم القضائي؛ ذلك أَنَّ الحكم الكلي الفقهي الموصِّف للواقعة مكون من شطرين، هما: معرفات، وحكم.
فالشطر الأول هو المُعَرِّفَات، وهي التي تُوَصِّف الواقعة، وهي الجزء أَوْ الشطر المؤثر.
والشطر الثاني هو الحكم التكليفي، وهو الأثر المرتب على المعرفات من حرمة، وإباحة، ووجوب، وصِحَّة، وبطلان، وشطرا الحكم قرينان لا يفترقان، فإذا وجدت المُعَرِّفَات، وتوفرت شروطها، وانتفت موانعها وجد الحكم التكليفي، فلا تكليف إلَّا له سبب، وشرط، وخلو من مانع (1)، يقول القرافي (ت: 684 هـ): "لا يتصور انفراد التكليف؛ إذ لا تكليف إلَّا وله سبب، أَوْ شرط، أَوْ مانع"(2)، فإذا وَصَّفنا الواقعة القضائية بمُعَرِّفَات الحُكْم - وهي المؤثر- استلزم ذلك حصول الأثر- وهو الحكم التكليفي أحد شطري الحكم الكلي-.
مثال ذلك: من المقرر فقهًا أَنَّ القاتل عمدًا عدوانًا إذا طالب الورثةُ بقتله يجب القصاص منه إذا توفرت شروط القصاص، وانتفت موانعه.
(1) انظر: ما سبق في المبحث الثاني من التمهيد من الباب الأول.
(2)
شرح تنقيح الفصول 81.
وهذا حكم كلي فقهي، مكون من شطرين:
الأول: المؤثر، وهو مُعَرِّفَات الحُكْم من الأوصاف المؤثرة المقررة فيه من كون القتل عمدًا عدوانًا، وطالب الورثة بالقصاص، وتوفر شروطه، وانتفت موانعه.
والشطر الثاني: الأثر، وهو الحكم التكليفي، وجوب القصاص من الجاني.
فإذا تحققنا أَنَّ الواقعة المنظورة لدينا قد انطبقت عليها تلك الأوصاف المذكورة في مُعَرِّفَات الحُكْم من وجود السبب والشرط وعدم المانع، ووَصَّفْنَاها به فصارت من قبيل القتل العمد العدوان- فإنَّ أثر هذا التَّوْصِيف- وهو الحكم التكليفي من وجوب القصاص على المدعى عليه - ينطبق عليها، ويحكم به القاضي.
* * *