الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يحب ومن لا يحب، والحكمة في ذلك أنها ليست عنده شيء كما في الحديث:"لَوْ كانَتِ الدُّنْيا تُساوِي عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوْضَةٍ ما سَقى كافِرًا مِنْها شَربَةَ مَاءٍ"(1).
فتخويل العبد في الدُّنيا ودوام الصِّحة والنِّعمة عليه ليس دليل كرامته عند الله وحبه إياه، بل دليل كرامته عنده وحبه إياه توفيقه للتَّقوى وهدايته للدِّين لأنَّ ذلك هو الذي يؤدي إلى دار النعيم الدَّائمة الخالدة.
والنعيم والنِّعمة ما لم يكونا دائمين فليسا بكرامة لأنهما يسلبان منه، وسلبهما منه إهانة له.
وبذلك يظهر أنَّ الرِّضا بنعيم الدُّنيا المسلوب وإن فوَّت حصوله نعيم الآخرة المطلوب حمقٌ عظيم وجهلٌ بالغ.
-
التاسع: التكاثر بكثرة المال والولد
.
وهو جهل محض واغترار صرف.
وقد سبق عن قتادة: أن قارون إنما بغى على قومه بكرة ماله وولده.
قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].
(1) تقدم تخريجه.
وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ: 37].
وأكثر الأغبياء من الأغنياء يحسبون أن كثرة المال والولد دليل القرب والخيرية عند الله، وهذا غاية الجهل، وهو خلاف ما في كتاب الله تعالى، ولقد كان قارون يعتقد ذلك في ماله وما خول فيه.
ألا ترى إلى قوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]؟
قال السُّدي في "تفسيره": علم الله أَنيِّ أهلٌ لذلك. رواه ابن أبي حاتم (1).
ونظير ذلك قول ذلك الكافر: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36].
فغلط المتخولين في الدُّنيا من أربعة أوجه:
أولها: أنهم يعتقدون أنها كرامة، وهي إهانة.
وثانيها: أنهم يستدلون بها على القرب والخيرية، وهي دليل الطرد والشرية.
وثالثها: أنهم يستدلون بحصولها في هذه الدار على حصولها في دار القرار وكأنهم أمِنُوا من أن يقال لهم هناك: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20].
ورابعها: أنهم يعتقدون أنها منحة، والحال أنها محنة وفتنة
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3012).