الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختفى لم يكن تكليف.
وهو المشار إليه بما يروى عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وقد قيل له: هل كان لكم عقول؛ أين عقولكم حين كنتم تتخذون الصنم من العجوة والْحَيس فتعبدونه ثم إذا جعتم أكلتوه؟
فقال: عقول وأيُّ عقول، ولكن ما ظنك بعقول كادها بادئها (1).
التَّنْبِيْهُ
الثَّانِي:
تكسير الأصنام من الملة الحنيفية التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم عليه السلام فيها، غير أن إبراهيم عليه السلام كسر الأصنام في خفية من قومه لأنه كان وحده، لم يكن له عشيرة ولا نصراء، والنبي صلى الله عليه وسلم كسرها وهو في تمام سلطانه وتوافر أعوانه، وقد فتح له وتمكن، فأظهر وأعلن.
2 - ومن أخلاق الجاهلية: التكذيب بالقدر
.
روى الثعلبي، وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال في قوله:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154]؛ يعني: التكذيب بالقدر، وهو قولهم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا
(1) رواه بلفظ نحوه: الخطابي في "غريب الحديث"(2/ 486).
هَاهُنَا} [آل عمران: 154](1).
ثم قال الله تعالى ناهياً عن مثل هذه المقالة الجاهلية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: 156].
قال الحسن رحمه الله تعالى في قوله: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا} [آل عمران: 156]: هذا قول الكفار؛ إذا مات الرجل يقولون: لو كان عندنا ما مات، فلا تقولوا كما قال الكفار.
وقال مجاهد رحمه الله تعالى في قوله: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 156]: يحزنهم قولهم، لا ينفعهم شيئاً. رواهما ابن أبي حاتم (2).
وحاصله: أن إحالة الأمور الواقعة من خير أو شر على فعل الإنسان مع الإعراض عن القدر اعتقاداً لمصارمة فعله للقدر جهلٌ يستجر معتقده من فضاء السلو إلى ضيق الحزن، لا يفيده شيئاً إلا الحسرة في قلبه والكي لفؤاده.
هذا في بلائه وضرَّائه، وأما في نعمته وسرائه فقد يعاقب عليه بأن يحاول مثل تلك السراء في مرة أخرى، فيحول بينه وبينها القدر،
(1) رواه الثعلبي في "التفسير"(3/ 187).
(2)
رواهما ابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 799).
فيظهر وهَنُه في نفسه، وخجله عند غيره، وسواد وجهه، وخيبته من حيث زعم بياض وجهه ونجحه.
وزعم أبو العباس ثعلب أنه ليس في العرب إلا مثبت للقدر جاهليةً وإسلاما، وأنشد:[من الرجز]
تَجْرِي الْمَقادِيرُ عَلى غُرْزِ الإِبَرْ
…
ما تَنْفُذُ الإِبْرَةُ إِلَاّ بِقَدَرْ
وأنشد لامرئ القيس: [من البسيط]
إِنَّ الشَّقاءَ عَلى الأَشْقَيْنَ مَكْتُوبُ
وهذه مبالغة من ثعلب، وقد علمت أن ابن عباس فسر الجاهلية في الآية بالتكذيب بالقدر هم من أهل الجاهلية من كان يقول به كما ذكره ابن قتيبة في "مختلف الحديث"، واللالكائي في "السنة"(1).
وأنشد زيادة على ما ذكره ثعلب لذي الإصبع العدواني: [من الهزج]
لَيْسَ الْمَرْءُ فِي شَيْءٍ
…
مِنَ الإِبْرامِ وَالنَّقْضِ
إِذا يُقْضَى أَمْرٌ إِخا
…
لُهُ يُقْضَى وَلا يَقْضِي
ولبعض أهل الجاهلية: [من الرجز]
(1) انظر: "مختلف الحديث" لابن قتيبة (ص: 28 - 31)، و"اعتقاد أهل السنة" للالكائي (4/ 705).