الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعُقُّوا عَنِ الغُلامِ بِشَاتَيْنِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ" (1).
ولا شك أن عدم الاهتمام في ذلك بالجارية مع الاهتمام بالغلام خلق جاهلي تابع للسرور بالغلام والاكتئاب للجارية، وهو خلق مكروه.
وليس منه تضعيف عقيقة الغلام، بل هذا تابع لما ميَّزه الله تعالى به لمعنى الذكورة كما أضعف نصيبَه في الميراث، وتكميل العقل من حيث إن شهادته بشهادة امرأتين.
174 - ومنها: عدم اعتبار الطلاق الثلاث شيئاً
.
فإنَّ اليهود كما تقدَّم عن الشعبي: لا يرون الطلاق الثلاث شيئاً؛ قال: وكذلك الرافضة.
وقال ابن تيمية: إذا لم يتلفَّظ بالطلاق ثلاث مرات لم تقع الثلاث، وإذا قال: هي طالق ثلاثاً لم تطلق إلا واحدة (2).
وهذا القول خلاف ما أجمع عليه العلماء من المذاهب الأربعة.
وقد رده عليه الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ كمال الدين الزملكاني في مؤلفين وقفت عليهما، وغيرهما.
وهي إحدى المسائل التي خالف ابن تيمية فيها الناس، وانفرد
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 301)، وكذا البزار في "المسند" (8857). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 58): من رواية أبي حفص الشاعر عن أبيه، ولم أجد من ترجمهما.
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (33/ 73).
بها (1)، وامتحن من أجلها، وحُبس مرات بالإسكندرية ودمشق، ومات
(1) بل هو مروي عن جمع من كبار الصحابة والتابعين؛ كأبي بكر، وعمر - صدراً من خلافته - وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، ورواية عن ابن عباس، وعن الزبير، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين، وقال به من الحنفية محمد بن مقاتل الرازي، وهو رواية عن مالك، وكذا أهل الظاهر. انظر:"الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (3/ 20).
بل هناك من العلماء من لا يوقع بها شيئاً لأنه طلاق بدعي، والطلاق البدعي لا يقع، وممن قال بهذا ابن عُلية، وهشام بن الحكم، وجميع الإمامية، وبه قال أبو عبيدة، وبعض الظاهرية. انظر:"الروضة الندية" لصديق حسن خان (2/ 251).
والخلاف في هذه المسألة قديم قبل ابن تيمية بقرون، فممن ذكر عنهم الخلاف: داود الظاهري وأصحابه، واختاروا أن الثلاث واحدة.
والطحاوي في "اختلاف العلماء" وفي "تهذيب الآثار".
وأبو بكر الرازي في كتاب "أحكام القرآن" وحكاه ابن المنذر، وحكاه ابن جرير، وحكاه المؤرخ في "تفسيره" وحكى حجة القولين، ثم قال: وهي مسألة خلاف بين العلماء، وحكاه محمد بن نصر المروزي واختار القول بالثلاث: أنها واحدة في حق البكر، ثلاث في حق المدخول بها.
وحكاه من المتأخرين المازري في كتاب "المعلم"، وحكاه عن محمد بن محمد بن مقاتل من أصحاب أبي حنيفة، وهو من أجل أصحابهم من الطبقة الثالثة من أصحاب أبي حنيفة، فهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، وحكاه التلمساني في "شرح التفريع" في مذهب مالك قولاً في مذهبه، بل رواية عن مالك، وحكاه غيره قولاً في المذهب فهو أحد القولين في مذهب مالك وأبي حنيفة. =
في حبس قلعتها، واختلف الناس في أمره، وأقربهم إلى الإنصاف من قال: هو من مشاهير العلماء، ولكن كان علمه أوسع من عقله.
والحاصل أن تقليده في هذه المسألة وسائر المسائل التي انفرد بها غير جائز، وأضرُّ مسائلِه على الناس هذه المسألة؛ لأنه أدخل بها الزِّنا الصرف على خلائق كثيرة منذ زمانه إلى الآن (1).
= وحكاه غير شيخ الإسلام عن بعض أصحاب أحمد وهو اختياره، وأسوأ أحواله أن يكون كبعض أصحاب الوجوه في مذهبه كالقاضي وأبي الخطاب، وهو أجل من ذلك فهو قول في مذهب أحمد بلا شك.
وأما التابعون فقال ابن المنذر: كان سعيد بن جبير وطاوس وأبو الشعثاء وعطاء وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة، قال: واختلف في هذا الباب عن الحسن؛ فروي عنه أنه ثلاث، وذكر قتادة وحميد ويونس عنه: أنه رجع عن قوله بعد ذلك وقال: واحدة بائنة. انظر: "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" لابن القيم (1/ 288 - 291).
(1)
قال الشيخ أحمد شاكر: إذا أفتاه من يقول ببطلان هذا الطلاق - وكان مفتيه مخطأ في نفس الأمر - كان هناك محظور واحد محرم، وهو معاشرة الرجل امرأة حرمت عليه، وإذا أفتاه من يقول بوقوع هذا الطلاق - وكان مخطئًا في نفس الأمر - كانت المحظورات أربعة:
أولاً: تحريم المرأة الحلال لزوجها.
ثانياً: إباحة تزوجها لآخر، وهي في عصمة الأول.
ثالثاً: إذا تزوجت آخر، عاشرته حراماً، لبطلان زواجها.
رابعاً: معاشرة رجل لامرأة، وهي في عصمة رجل آخر. =
وفي كل زمان يقيض الله للناس شيطاناً في صورة عالم يفتيهم بمذهب ابن تيمية في الطلاق منذ زمان إلى الآن، لكن مستخفياً لا يستطيع التجاهر به (1).
نعم، يفشو حديثه في مجالس العلماء ولا ينكرونه إلا قليلاً.
وقد كان في هذا العصر واحد منهم كان يفتي العوام الغوغاء بذلك يأخذ في مقابلة ذلك أموالاً كثيرة، ومن لم يدفع إليه مالًا قال له: لا تعود إليك، فإن دفعه إليه أفتاه برد زوجته.
وبلغني أن بعض الغوغاء جاء إليه في ذلك فقال له: إنه طلق زوجته ثلاثًا، فقال: هات ثلاث قروش وأردها إليك.
قال: لا إلا قرشًا واحدًا.
قال: اذهب عنا، فما بقي ردها إليك جائزًا.
فقال له العامي: قد استخرت الله في ترك مراجعتها، وأوفر علي
= وارتكاب أخف الضررين هو الاحتياط بداهة، وهو الفتوى بعدم الوقوع.
وهذا بحث نظري صرف، والحقيقة أن الاحتياط الصحيح إنما هو في الوقوف عند حدود الله تعالى، وفي الفتيا بما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة.
انظر: "الطلاق في الإِسلام"(ص: 58).
(1)
رحم الله المصنف على هذا التحامل، فالمسألة من المسائل الاجتهادية كما لا يخفى، والخلاف فيها قديم وللشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله رسالة قيمة في هذا الباب سماها:"نظام الطلاق في الإِسلام"، فلتنظر عنده.
مالي وديني، فلو كان ردها إليَّ جائزاً لم ينحصر هذا الحكم فيك حتى تطلب عليه المال.
ثم إن الله تعالى أهلكه قريبًا في أواخر سنة سبع وألف، وأراح الله منه العباد والبلاد، وبعد أن نكب في دينه، وفي ماله، وفي عرضه وجاهه، وفي بدنه؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد روى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في حديث طويل:"مِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ أَنْ تَكْثُرَ أَوْلادُ الزنَا".
فقيل لابن مسعود: وهم مسلمون؟
قال: نعم، يأتي على الناس زمان يطلق الرجل امرأته طلاقها، فيقيم على فراشها، فهما زانيان ما أقاما (1).
واعلم أن عامة الناس الآن في الطلاق على أقسام:
فمنهم: من يكثر الحلف بالطلاق، ثم لا يبالي حلف صادقاً أو كاذبًا، ولا يهتم بالوقوع وعدمه، ولا يسأل عن ذلك العلماء.
وقد لطف بعض المجان إذ تعجب متعجب بحضوره من كثرة ما يحلف رجل بالطلاق ولا يبالي، بل لا يكاد يتكلم في أمر بشيء إلا أكد كلامه بالطلاق، وهو غير مهتم بذلك، ولا وجل من
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(10556).
معاشرة الزوجة، فقال له الماجن: إنما قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]، وهذا يحلف في اليوم سبعين مرة، فهو قد جاوز القنطرة من سنين.
ومنهم: من إذا وقع عليه الطلاق ثلاثًا في ملأ من الناس يذهب يسأل العلماء حتى ينتهي إلى فاسق يفتيه بمذهب ابن تيمية، ثم يقول للناس: راجعها لي فلان، ولم يكن ذلك منه حرصاً على دينه، ولكن خشية أن يستعدي عليه عدو له عند الحكام فيغرَّم، ولو كان له مُسكة من دينه لعمل بما يفتيه به سائر علماء البلدة.
ومنهم: من يحلف بالطلاق، أو يعلقه على شيء، أو على أشياء، فيخلع زوجته على عوض عند الحنبلي لأنه لا يعد الخلع طلاقاً، ثم يراجعها عند الشافعي لئلا تعود الصفة المحلوف عليها، فربما خلع زوجته ألفًا، ثم يعود إليها.
ومسألته هذه مركبة من مذهبين لا خلاص له في كل منهما؛ فإن الشافعي يقول بعدم عود الصفة المحلوف عليها بسبب الخلع، لكنه يعد الخلع بطلقة، فإذا خلعها ثلاث مرات لم تعد إليه إلا بعد زوج آخر، والحنبلي يقول بعود الصفة، ولا يمنعه الخلع.
ثم إن تقليده في الخلع حيلة لئلا يحسب عليه بطلقة، والحيلة عنده باطلة، بل متى خلع حيلة وقع عليه الخلع طلاقاً كما أفادنا ذلك غير واحد من ثقات علماء الحنابلة، وعادت الصفة، فيلزم أن يعود
أمره إذا راجع إلى الزنا بمجرد فعل المحلوف عليه عند الحنبلي، وبتمام عدة الإخلاع ثلاثًا عند الشافعي، وهذه البلية يقع فيها كثير من الناس.
ومنهم: من يقول: طلقت زوجتي في حال الغضب الشديد، فيرتب له بعض الفسقة سؤالًا أنه وصل من شدة غضبه إلى حد الغيبة والجنون، فيفتي بأن الطلاق لا يقع، والحالل طلاق الغضبان واقع، وإنك لو سألته عن مجلس غضبه لقصه لك مرتبا مفصلاً مستحضرًا لما وقع فيه من قال وقيل، فكيف يلحق من هذا حاله بمن زال عقله بالكلية.
ويتعين على من أقامه الله تعالى في منصب الإفتاء أن يتحرى في مسائل الطلاق والفروج لشدة خطرها، فقد كان ابن سيرين رحمه الله تعالى لا يفتي في الفرج بشيء فيه اختلاف (1).
وقال جعفر بن إياس: قلت لسعيد بن جبير: ما لك لا تقول في الطلاق شيئًا؟
قال: ما من شيء إلا قد سئلت عنه، ولكني أكره أن أحل حرامًا أو أحرم حلالًا (2). رواهما الدارمي.
(1) رواه الدارمي في "السنن"(152).
(2)
رواه الدارمي في "السنن"(134).