الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك يقول الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} إلى قوله: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33].
قال: لا تقتل غير قاتل وليك (1).
قال [الضحاك]: وهي اليوم على ذلك الوضع من المسلمين؛ لا يحل لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم (2).
وعن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال في الآية: لا يقتل اثنين بواحد (3)؛ أي: لا يقتل اثنين أحدهما لم يقتل.
24 - ومنها: أخذ الإنسان بجريرة
.
كما علمت من قتلهم غير قاتل وليهم.
ولقد قالوا في أمثالهم: قدْ يُؤخذُ الجارُ بذنبِ الجارِ (4)؛ وهو خلف كتاب الله تعالى، قال الله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18].
ذكر القرطبي في "تفسيره" أقوالاً منها: أنها نزلت رداً على العرب في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بأبيه وبابنه، وبجريرة خليله (5)، بل هو
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 25).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(15/ 82).
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 25).
(4)
انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (2/ 109).
(5)
انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 157).
من الجاهلية الأولى التي كانت في الفترة بين نوح وإبراهيم كما روى ابن المنذر عن هذيل (1) بن شرحبيل قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام حتى جاء إبراهيم؛ فلا تزر وازرة وزر أخرى (2).
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال في قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]: كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الولي بالولي، حتى كان إبراهيم، فوفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى؛ لا يؤخذ أحد بذنب غيره (3).
وروى الشافعي، والبيهقي في "سننه" عن عمرو بن أوس رحمه الله تعالى قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره، حتى جاء إبراهيم فقال الله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]؛ قال: بلغ وأدى {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38](4).
وقوله: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره؛ أي: شريعة فنسخت بما جاء به إبراهيم عليه السلام، أو عادة أجريت ولم تكن شريعة، فأبطلها إبراهيم عليه السلام، وبيَّن أنها نزلت شريعة.
(1) في "أ" و"ت": "كفر زيل" بدل " عن هذيل".
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (7/ 661).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(27/ 72).
(4)
رواه الإمام الشافعي في "المسند"(ص: 277)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 345).
وإذا تأملت أحوال حكام هذه الأزمنة وجدتها لا تعدو أحوال أهل الجاهلية في كثير من الأمور؛ ألا تراهم إذا طلبوا غريماً وتغيب عنهم أخذوا أباه، أو ابنه، أو قريبه، أو جاره؟
وربما قتل قتيل، أو سرقت دارٌ أو دكان في محلة، وجاء الوالي وجماعته ومعهم قاض من قبل حاكم الشرع يقال: قاضي الكشف، فيأخذون من صاحب المصيبة أو من أهل المحلة جريمة، وسموها: أجرة القدم، أو حجة الكشف، ولا يمهلونه إلى تحصيل ما يأخذونه، بل يأمرونه بتسلم ذلك ممن استعد للربا في أبوابهم، ولعل ذلك فوق جهل الجاهلية.
وروى الخطيب في "تلخيص المتشابه" عن الهيثم بن عدي قال: دخل أبي بن الإبَّاء - بتشديد الموحدة - على الحجاج بن يوسف، فقال:[إني] موسوم بالحيلة، مشهور بالطاعة، خرج أخي مع [ابن الأشعث](1) فحلق على اسمي، وحُرِمْتُ عطائي، وهُدِمَت داري.
فقال الحجاج: أو ما سمعت ما قال الشاعر؟
قال. وما قال؟
قال: [من الكامل]
جانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ وَقَدْ
…
يَعْدِي الصَّحِيحَ مَبارِكُ الْجُرْبِ
وَلَرُبَّ مَأخوذٍ بِذَنْبِ قَرِيبِه
…
وَنَجا الْمُقارِفُ صاحِبُ الذَّنْبِ
(1) بياض في "أ" و"ت".