الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
182 - ومن أفعال اليهود والنصارى: قيام بعضهم لبعض، وهو منهي عنه
.
نعم، رخَّص فيه النووي أن يفعل مع العلماء والأكابر (1)، وبحث بعض المتأخرين وجوبه في هذه الأزمنة خشية ما يترتب على تركه من الحقد والعداوة.
والحاصل أنه مما اضطر العلماء للقول بإباحته واستحبابه، وهو من المحن التي دخلت على هذه الأمة؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله (2).
وروى مسلم، وأبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث: "إِنْ كِدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّوْمِ؛ يَقُومُوْنَ عَلَى مُلُوْكِهِمْ وَهُمْ قُعُوْد، فَلا تَفْعَلُوا"(3).
183 - ومن أفعال أهل الكتاب: الكلام السوء الشامل للغيبة والنميمة
، وكلام ذي الوجهين، والشتم، والسب، وما يوهم ذلك وغيره، والكذب، والبهتان، والقذف، والخوض في الباطل، وغير ذلك.
قال الله تعالى فيما أخذه من الميثاق علي بني إسرائيل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
(1) وقد صنف النووي في ذلك جزءًا جمع فيه الأحاديث الواردة في الباب وما يتعلق بها، سماه:"الترخيض في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإِسلام على جهة البر والتوقير والاحترام لا على جهة الرياء والإعظام".
(2)
انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن حجر الهيتمي (4/ 248).
(3)
رواه مسلم (413)، وأبو داود (602).
ثم أخبر عنهم أنهم تولوا عن ذلك إلا قليلاً منهم.
وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: 46]
وذلك أن اليهود كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء: سمعنا جهراً، وعصينا سراً.
وكانوا يقولون له: اسمع غير مسمع، وهو يحتمل وجهين:
- أن يكون ذمًا، والمعنى: غير مسمع كلاماً ترضاه، أو: غير مجاب إلى ما تدعو إليه، أو: مدعواً عليك بلا سمعت.
- أو يكون مدحاً؛ أي: غير مسمع ما تكره، أو ما يسوؤك.
وكانوا يقولون له: راعنا، وهو يحتمل وجهين أيضًا:
- الذم؛ فإن: راعنا كلمة كانوا يتسابون بها بالعبرانية، أو السريانية، أو المعنى: راعنا لا رعيت.
- والمدح؛ أي: راعنا نكلمْك، ونسمعْ لكلامك.
والحاصل أنهم كانوا يتكلمون بما يحتمل وجهين:
- ينوون الشتيمة والإهانة والدعاء.
- ويظهرون ما يحمل على التوقير والاحترام لو عوتبوا عليه.
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46].
وروى ابن المنذر عن السدي قال: كان رجلان من اليهود مالك بن الصيف، ورفاعة بن يزيد إذا لقيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا له وهما يكلمانه: راعنا بسمعك، واسمع غير مسمع، فظنَّ المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبيائهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104](1).
وروى أبو نعيم في "الدلائل" بسند ضعيف، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: راعنا بلغة اليهود: السب القبيح.
فكان اليهود يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم سرًا كما سمعوا أصحابه يقولون: أعلنوا بها، وكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فنزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} ، فسمعها منهم سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، فقال لليهود: يا أعداء الله! لأن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه (2).
وروى عبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم عن قتادة رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} ، قال: قولًا كانت اليهود تقوله استهزاءً، فكره اللهُ للمؤمنين أن يقولوا كقولهم (3).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 253)، وروى الطبري نحوه في "التفسير"(1/ 471).
(2)
قال ابن حجر في "فتح الباري"(8/ 163): رواه أبو نعيم في "الدلائل" بسند ضعيف جداً.
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(1/ 469).