الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا من تلاعب الملوك بالدِّين، ولا يخفى أن اليهود والنصارى إلى الآن يصومون رمضان إلا إن وافق صيامهم، فتارك صوم رمضان أو يوم منه لغير عذر متشبه باليهود والنصارى، فإن جحد وجوبه كان كافراً حقيقة.
138 - ومنها: تقدم رمضان يصوم يوم أو يومين
.
وقد جاء النَّهي عنه في شريعتنا إلا من وافق عادة له.
روى عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كتب على النصارى الصيام كما كتب عليكم، وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183].
قال: وكان أول أمر النصارى أن قدموا يوماً؛ قالوا: حتى لا نخطئ، ثمَّ قدموا يومًا وأخروا يومًا، وقالوا: حتى لا نخطئ، ثمَّ آخرهم صاروا إلى أن قالوا: تقدم عشرًا ونؤخر عشرًا حتى لا نخطئ، فضلوا (1).
ونقل القرطبي عن الشعبي قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت يوم الشك (2).
وذلك أنَّ النصارى فرض عليهم صيام شهر رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل الشمسي لأنه قد كان وافق القيظ فعدوا ثلاثين
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 4340).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(2/ 129).
يومًا، ثمَّ جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم، فصاموا قبل الثلاثين يومًا وبعدها يومًا، ثمَّ لم يزل الآخر يستن بسنة من قبله حتى صاروا إلى خمسين يوماً.
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن عبيد اللحام قال: كنت أمشي مع الشعبي رحمه الله تعالى فقام إليه رجل فقال: يا أبا عمرو! ما تقولون؛ قوم يصومون قبل شهر رمضان بيوم؟
قال: ولم؟
قال: حتى لا يفوتهم شيء من الشهر.
قال: هكذا هلكت بنو إسرائيل؛ تقدموا قبل الشَّهر يومًا وبعده يومًا، فصاموا اثنين وثلاثين يومًا، فلمَّا ذهب ذلك القرن جاء قوم آخرون فتقدموا قبل الشَّهر بيومين وبعده بيومين حتى صار أربعة وثلاثين يومًا، حتى صار صومهم خمسين يوماً؛ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (1).
وقال الحافظ زين الدِّين العراقي في الحكمة في النهي عن تقدم الشهر بيوم أو يومين حتى لا يختلط صوم الفرض بصوم نفل قبله ولا بعده تحذيراً مما صنعت النصارى من الزيادة على ما افترض عليهم لرأيهم الفاسد، فكان صلى الله عليه وسلم يأمر بمخالفة أهل الكتاب، وكان أولًا يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثمَّ أمر بعد ذلك بمخالفتهم، انتهى (2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 315).
(2)
وانظر: "عمدة القاري" للعيني (10/ 272).