الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عبد الرزاق، وابن جرير عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال: لم يُعطَ أحد الاسترجاع غير هذه الأمة؛ ألا ترون إلى قول يعقوب عليه السلام: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84](1).
بل روى الطبراني في "الكبير"، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيَتْ أُمَّتِي شَيْئاً لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الأُمَمِ؛ أَنْ يَقُوْلُوا عِنْدَ الْمُصِيْبَةِ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُوْنَ"(2).
التَّنْبِيْهُ
الثَّالِثُ:
الصبر لم يكن معدومًا في بني إسرائيل ومن بعدهم، بل كان موجودًا فيهم، إلا أن الصابرين منهم قليل.
فالصبر في هذه الأمة كثير، بل شملهم وصف الصبر من حيث إنهم قاموا بحق "شهر الصبر"(3) الذي هو رمضان، كما سمي به في الحديث من الصيام الذي هو "نصف الصبر"(4) كما في الحديث أيضاً.
واليهود لم يقوموا بحقه حين كلفوه، بل صاموا يومًا واحداً ثم تركوه.
والنصارى وإن صاموه إلا أنهم لم يصبروا له كيف وافق الزمان،
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(2/ 327)، والطبري في "التفسير"(13/ 39).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12411)، قال البيهقي في "شعب الإيمان" (9691) - بعد أن روى أثر سعيد السابق -: رفعه بعض الضعفاء.
(3)
رواه أبو داود (2428) عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها، والنسائي (2408) عن أبي هريرة رضي الله عنها.
(4)
رواه الترمذي (3519) عن رجل من بني سليم، وحسن إسناده.
بل نقلوه إلى زمن الربيع.
ثمَّ إن الصبر كثير الفوائد في الدنيا والآخرة.
ومن أعظم فوائده الدنيوية أن الصابر يسود، ويرأس بالصبر كما قال الله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 23، 24].
والضمير في قوله: {صَبَرُوا} عائد على الأئمة، لا على كل بني إسرائيل.
قال قتادة في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} : رؤساء في الخير سوى الأنبياء.
{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} قال: على ترك الدنيا. رواه ابن أبي حاتم (1).
وروى الحاكم عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى أنه تلا: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} قال حدثني الزهري: أن عطاء بن يزيد، حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما رُزِقَ عَبْدٌ خَيْرًا لَهُ وَلَا أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ"(2).
(1) ورواه الطبري في "التفسير"(21/ 113).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3552)، وأصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.