الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ، فتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ، وَقَالَ: اللهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا فَمَصهُ".
قال أبو هريرة: كأني انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص أصبعه.
"ثُمَّ مَرَّتْ بِهَا أَمَةٌ فَقَالَتْ: اللهُمَّ لا تَجْعَل ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَلِكْ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّار مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُوْلُوْنَ: سَرَقْتِ وَزَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ".
وفي رواية: "ثمَّ مَرَّتْ بِهَا أَمَةٌ ذَكَرُوا أَنَّهَا سَرَقَتْ وَزَنَتْ وَعُوْقِبَتْ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ لا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَجَبَّار مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وإنَّ هَذِهِ قِيْلَ لَهَا: زَنيتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَقِيْلَ لَهَا: سَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ، وَهِيَ تَقُوْلُ: حَسْبِيَ الله".
وفي رواية: "أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنه كَافِر، وَأَمَّا الْمَرْأة فَإِنهمْ يَقُوْلُوْنَ لَهَا: تَزْني، وَتَقُوْلُ: حَسْبِيَ اللهُ، وَيقُوْلُوْنَ: سَرَقْتِ، وَتَقُوْلُ: حَسْبِيَ الله"(1).
194 - ودل هذا الحديث على أن من أخلاق بني إسرائيل:
العجلة، والضجر، والمبادرة بالدعاء على الولد وغيره من المحبوبات، والاتهام، والخوض في الباطل، والوقوع في عرض من لم يثبت عنه
(1) رواه البخاري (3253)، ومسلم (2550).
ما يشين عرضه، والإصغاء إلى القال والقيل، والخوض فيما لا يعلمه، وما لا يعنيه.
وقد ذم الله تعالى العجلة، وما معها في قوله تعالى:{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11].
قال ابن عباس: ضجرًا لا صبر له على سراء ولا ضراء (1).
قال مجاهد في قوله: {دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} . ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده، وعلى امرأته لا يعجل فيه، ويدعو، ولا يحب أن يصيبه (2). رواهما ابن جرير.
وروى أبو داود، وغيره عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، لا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ؛ لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ تَعَالَى سَاعَة فِيْهَا إِجَابَة فَيَسْتَجِيْبَ لَكُمْ"(3).
وروى الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيْهِ"(4).
وروى الطبراني بإسناد صحيح، عن ابن مسعود رضي الله تعالى
(1) رواه الطبري في "التفسير"(1/ 202).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(15/ 48).
(3)
رواه أبو داود (1532).
(4)
رواه الترمذي (2317) وقال: غريب، وابن ماجه (3976).
عنه قال: أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضًا في الباطل (1).
ورواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" بإسناد رجاله ثقات، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً (2).
قال حجة الإِسلام في "الإحياء": وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45](3).
وحقيقة الخوض في الباطل الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء، ومجالس الخمر، ومقامات الفساق، وتنعم الأغنياء، وتجبر الملوك، ومواسمهم المذمومة، وأحوالهم الكريمة، وذكر محظورات سبق وجودها، وتدبر في التوصل إليها من غير حاجة دينية إلى ذكرها، وذكر ما يتحدث الناس فيه من الوقائع والحوادث المشتملة على ذكر مسلم بسوء كما ذكر مما كان يقال في حق الأمَة المذكورة في الحديث: سرقت، زنت (4).
وروى الترمذي -وقال: حسن صحيح- وابن ماجه عن بلال بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيتكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8547)، وكذا ابن المبارك في "الزهد"(1/ 128).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 79).
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 116).
(4)
تقدم الحديث قريبًا.
رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيتكلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ بِهِ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".
قال: وكان علقمة يقول: كم من كلام منعنيه حديث عبد الله بن بلال بن الحارث (1).
وروى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ أكثَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ في لِسَانِهِ"(2).
وروى البيهقي في "الشعب" عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالُ الْمَسْرُوْقُ في تُهْمَةٍ حَتَّى يَكُوْنَ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنَ السَّارِقِ"(3).
وروى الإِمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَأَى عِيْسَى بنُ مَرْيَمَ عليهما السلام رَجُلاً يَسْرِقُ فَقالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟
(1) رواه الترمذي (2319) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3969).
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(54/ 410)، وكذا ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (ص: 54). قال أبو حاتم: حديث باطل. انظر: "علل الحديث" لابن أبي حاتم (2/ 101).
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(4933). وحسن العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 768).
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(6707). قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"(7/ 379): حديث منكر.