الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن الاشتغال بعلم الكيمياء، وتضييع الأموال والأوقات في عملها مما تبيّن للنّاس أنه لا يفيد شيئًا، فهو من باب السَّفَه وإضاعة المال لغير ضرورة ولا فائدة، وكم من إنسان ذا جوعة وعرية وكثرت ديونه وهو في طلب ذلك، ولم يحصل منه على طائل حتى مات.
واعلم أن طالب المال بالكيمياء لا يزال فقيرًا، وإنما الكيمياء الاحتراف والاكتساب من حيث إذنُ الشرع فيه كما قلت:[من المديد]
يا طالبَ الْكِيْمياءِ فَافْهَمْ
…
مِنْ غَيْرِ غِشٌ وَلا خَدِيْعَة
لازِمْ عَلى كَسْبِكَ الَّذِي لا
…
يَعِيبهُ الْعِلْمُ والشَّرِيْعَة
لا تَسْمَعَنَّ قَوْلَ مَنْ تَمَنَّى
…
يَوْماً بِأَقْوالِهِ الْوَسِيْعَة
كَمْ صَيْدٍ مِنْ زُبْيَةِ هِزَبْر
…
ما صِيْدَ إِلَّا عَلى طَمِيْعَة
-
الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر: البطر، والفرح بغير الله تعالى وفضله، وحب المحمدة بما لم يفعل
.
وكل ذلك من فعل اليهود.
قال الله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188].
وقرأ إبراهيم: {بِمَا أَتَوْا} ممدوداً (1)؛ أي: أعطوا.
(1) انظر: "تفسير القرطبي"(4/ 308).
وقرأ سعيد بن جبير: {بِمَا أَتَوْا} مبنياً لنائب الفاعل (1)؛ أي: أعطوا.
وقال المفسرون: نزلت في اليهود؛ فرحوا بإضلالهم الناس، وقول الناس: إنهم علماء، وليسوا كذلك، وفرحوا بما آتى الله آل إبراهيم، وهم براء من ذلك (2).
واعلم أن الفرح بغير الله تعالى وفضله إنما يكون عن جهل وطيش، ولذلك كان مذمومًا.
ولم يذكر الله تعالى [الفرح](3) مطلقًا غير مقيد إلا ذمه كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76].
وقال تعالى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: 10].
وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ} [الأنعام: 44].
وما مدحه سبحانه إلا مقيدًا حتى قال في وصف الشُّهداء: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170].
وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
قال أبو سعيد الخدري، وابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهم كما أخرجه ابن أبي شيبة، والمفسرون، والبيهقيّ.
والبراءُ بن عازب رضي الله تعالى عنهما كما أخرجه الطَّبراني في
(1) انظر: "تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 838).
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(4/ 205).
(3)
ما بين معكوفتين من "ت".
"الأوسط": فضل الله القرآن ورحمته أن جعلك من أهله (1).
بل رواه أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والحاكم وصححه، وغيرهم عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله أَمَرَني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ".
فقلت: أسمَّاني لك؟
قال: نعم.
قيل لأُبَي: أفرحت بذلك؟
قال: وما يمنعني والله تعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58](3) - بالتاء الفوقية -
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(30068)، والطبري في "التفسير"(11/ 125)، والبيهقيّ في "شعب الإيمان"(2597) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(30066)، والطبري في "التفسير"(11/ 124)، والبيهقيّ في "شعب الإيمان"(2598) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
والطبراني في "المعجم الأوسط"(5512) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما.
(2)
ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(4626)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 367) إلى أبي الشيخ وابن مردويه.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(30306)، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 122)، والحاكم في "المستدرك"(5324).
وهي قراءة أُبَي كما أخرجه أبو داود، والحاكم، وصححه (1).
وأما قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23]، فالمراد النهيُ عن الأسف على ما فات من الدُّنيا، والفرح بما أتى الله العبد منها من حيث إنها دنيا، لا من حيث إنه فضل من الله تعالى.
ولذلك قال بعده: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]؛ فإنَّ من علم أن ما بيده فضل من الله تعالى، وهو عارية عنده لا يفرح به من حيث هو.
ولذلك قال جعفر الصَّادق رحمه الله تعالى في هذه الآية: يا ابن آدم! ما لك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت (2)؟
فأما من فرح بالشيء من حيث إن الله تعالى هو الذي أنعم عليه به فيستدل بذلك على أنه من الله تعالى على بال، فهذا لا بأس به، ومنه قول أيوب عليه السلام وقد قال الله تعالى له حين جمع جراد الذهب في ثوبه: ألم أغنك عن هذا؟ قال: بلى، ولكن لا غنى لي عن بركتك، أو عن فضلك (3).
(1) رواه أبو داود (3980)، والحاكم في "المستدرك"(2946).
(2)
انظر: "تفسير الثعلبي"(9/ 345).
(3)
تقدم تخريجه.
وروى ابن أبي شيبة، والمفسرون، والحاكم وصححه، والبيهقيّ في "الشُّعب" عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى:{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: 23]، الآية قال: ليس أحد إلا هو يحزن ويفرح، ولكن إن أصابته مصيبة جعلها صبرًا، وإن أصابه خيرٌ جعله شكرًا (1).
أي: ولكن المراد في الآية أن يكون العبد كذلك صابرًا عند المصيبة لا جَزِعًا، شاكرًا عند النعمة لا بَطِرًا.
وروى ابن أبي شيبة، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"، وابن أبي حاتم عن أسلم رحمه الله تعالى قال: رأيت عبد الله بن الأرقم جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بحلية آنية وفضة، فقال عمر: اللهم إنك ذكرت هذا المال فقلت: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14] حتى ختم الآية، وقلت:{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23]، وإنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، فاجعلنا ننفقه في حق، وأعوذ بك من شره (2).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34789)، والطبري في "التفسير"(27/ 235)، والحاكم في "المستدرك"(3789)، والبيهقيّ في "شعب الإيمان"(237).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(33782)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زواند الزهد" (ص: 115)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 607)، وذكره البخاري (5/ 2365) معلقاً.