الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - ومنها أنهم كانوا إذا قتل لأحدهم قتيل استوفى ذلك بنفسه
.
وفي الشريعة يرفع أمره إلى ولي الأمر في طلب ما استحقه من قصاص، أو حد قذف، أو تعزير، أو عقوبة، ويحرم عليه استيفاؤه بنفسه وإن وقع موقعه، ولا يستقل بأخذ ما يستحقه من غيره بيد غيره إلا إن أمن الفتنة، ولا يحق (1) له ما استحقه من دين على غريم مقر له غير ممتنع من الأداء، بل يطالبه.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33]: ينصره السلطان على كل من قتله، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاصٍ مسرف، قد عمل بحمية أهل الجاهلية، ولم يرض بحكم الله. أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم (2).
29 - ومنها: الزنا سراً وجهراً، ونكاح المحارم، وتعاطي الأنكحة الفاسدة كالشغار
- وهو أن يزوج الرجل موليته آخر على أن يزوجه موليته، ويضع كل واحد صداق الأخرى - والمتعة - وهي: النكاح بلا أجل، أو بلا بينة - والجمع بين الأختين، ونكاح زوجة الأب، وغير ذلك.
(1) في "أ" و"ت": "بد" بدل "يحق".
(2)
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 61).
روى المفسرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله تعالى الزنا في السر والعلانية (1).
وروى ابن أبي حاتم عنه في قوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: نكاح الأمهات والبنات (2).
{وَمَا بَطَنَ} قال: الزنا (3).
وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه، والإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان عن أنس رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شِغارَ فِي الإسْلامِ"(4).
وروى البخاري عن علي رضي الله تعالى عنه، والإمام أحمد عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة (5).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(8/ 83)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1416).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1416).
(3)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير". (5/ 1417).
(4)
رواه مسلم (1415) عن ابن عمر رضي الله عنه.
والإمام أحمد في "المسند"(3/ 162)، وابن ماجه (1885)، وابن حبان في "صحيحه"(4154) عن أنس رضي الله عنه.
(5)
رواه البخاري (4825) عن علي رضي الله عنه، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 363) عن جابر رضي الله عنه.
وقال الله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23].
وقال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22].
قال محمد بن الحسن: كان أهل الجاهلية يعرفون هذه المحرمات كلها التي ذكرت في هذه الآية: قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، وقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23].
قال: إلا اثنتين؛ إحداهما: امرأة الأب، والثانية: الجمع بين الأختين؛ ألا ترى أنه قال: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]، وقال:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]، ولم يذكر في سائر المحرمات، {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (1).
قال (2): هذا يخالف ما نقلناه عن ابن عباس في تفسير ما ظهر من الفواحش من نكاح الأمهات والبنات (3)؛ فإن في قوله تعالى: {تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] تعريضاً بما كان عليه أهل الجاهلية، إلا أن يحمل كلام ابن عباس على أنهم كانوا، أو
(1) انظر: "تفسير السمرقندي"(1/ 318)، و"تفسير القرطبي"(5/ 119).
(2)
كذا في "أ" و"ت"، ولعل الصواب "قلت" بدل "قال".
(3)
تقدم تخريجه.
كان منهم من يفعله لا على سبيل الاستحسان له والاستطابة، بل كان يفعله وهو في نفسه فاحشة.
ويحمل كلام محمد بن الحسن على أنهم ما كانوا يعرفونه ديناً أو مقبولاً لا بأس به، بخلاف نكاح امرأة الأب والجمع بين الأختين.
وكذلك ما حكي عن محمد بن السائب الكلبي أنه قال: كانت العرب في جاهليتها تحرم أشياء نزل القرآن بتحريمها؛ كانوا لا ينكحون الأمهات، ولا البنات، ولا الخالات، ولا العمات، وكان أقبح ما يصنعون أن يجمع الرجل بين الأختين، أو يحيف على امرأة أبيه، وكانوا يسمون من يفعل ذلك: الضيزن (1)؛ يعني: المعجمات.
قلت: وقد اختلف العلماء في الاستثناء والوصف إذا تأخر عن جمل متعاقبة، هل يعودان إلى الجمل كلها، أم إلى الجملة الأخيرة، أو على الجمل إلا أن يفصل بينهن شرط أو نحوه فعلى ما بعده، أو يفرق بين العطف بالواو فيعودان معها إلى الجمل كلها، وبغيرها فيعودان على الأخيرة؟
أقوال: أرحجها الأخير عند إمام الحرمين.
والأكثرون على الأول لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
(1) انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (2/ 245).
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23].
فالاستثناء يعود إلى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الأخيرة على القول الأول.
والقول [
…
] فإن [
…
] في الجميع، فالوارد على قول {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فقط على القول الثاني.
وعليه وعلى ما قبله من حلائل الأبناء فقط على القول الثالث.
وعليه [
…
] (1) واردة على كلام محمد بن الحسن.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كانت مناكح الجاهلية على أربعة أضرب؛ نكاح الرايات، ونكاح الرهط، ونكاح الاستيجاد، ونكاح الولاد.
فأما نكاح الرايات فهو أن العاهرة في الجاهلية كانت تنصب على بابها راية ليعلم المار بها عهرها فيزني بها.
وأما نكاح الرهط فهو أن النفر من القبيلة كانوا يشتركون في إصابة المرأة، فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم به.
وأما نكاح الاستيجاد فهو أن المرأة كانت إذا أرادت ولداً نجيباً
(1) ما بين المعكوفتين بياض في "أ" و"ت".
بذلت نفسها لنجيب كل قبيلة وسيدها، فلا تلد إلا نجيباً، فتلحقه بأيهم شاءت (1).
وأما نكاح الولاد فهو النكاح الصحيح المقصود للتناسل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُلِدْتُ مِنْ نِكاحٍ لا مِنْ سِفاحٍ"(2).
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح، عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً لقي امرأة كانت بغياً في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها، فقالت المرأة: مه؛ فإن الله قد ذهب بالشرك - وفي رواية: ذهب بالجاهلية وجاءنا بالإسلام - فولى الرجل، فأصاب وجهه الحائط، فشجه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:"أَنْتَ عَبْدٌ أَرادَ اللهُ بِكَ خَيْراً؛ عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، وَإِذا أَرادَ اللهُ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوافَى بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ كَأَنَّهُ عيرٌ"(3).
وقول المرأة: مه؛ فإن الله ذهب بالجاهلية وجاءنا بالإسلام؛ إشارةٌ إلى أنه لا ينبغي لمن أكرمه الله تعالى بالإسلام والدين بأن يتضمَّخ بما كان عليه أهل الجاهلية من الزنا وغيره من الفواحش والقبائح.
وفيه أن وازع الإسلام هو الذي منعها عن الزنا التي كانت تتعاطاه
(1) رواه البخاري (4834) بنحوه.
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4728)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص: 470) عن علي رضي الله عنه، ولفظهما:"خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح".
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 87).