الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - ومن قبائح العجم: العشق الشيطاني والهوى الحيواني
، والتعلق بصور المُرد الحسان بفعل الفاحشة بالصبيان، والزنا بالنسوان.
وذُكر في "قلائد الشرف" أنَّ فرعون أول من زنا بعد أن (1) فرعون يوسف وموسى عليهما السلام واحد، وأنه كان من أشراف العجم من قرية حوزان من وستاق مارس.
وذكر عن ابن إسحاق: أنَّ فرعون من أصبهان (2).
وتقدم لنا في النهي عن التشبه بفرعون كلام فيه.
وقال الدميري في "حياة الحيوان": روي في أخبار معن بن زائدة الشيباني: أنَّ رجلًا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس، وبغل وحمار وجارية ثمَّ قال: لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبًا غير هذا لحملتك عليه.
قال الدميري: قال بعضهم: يرحم الله معْنًا! لو كان يعلم أن الغلام يركب لأمر له به، ولكن كان عربيًا محضًا لم يتدنس بقاذورات العجم، انتهى (3).
(1) كذا في "أ" و "ت".
(2)
انظر: "تفسير السمعاني"(6/ 150).
(3)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 458).
قلت: ليس من الحقيقة إطلاق الركوب على النكاح، وإنما هو من باب المجازات التي أحدثها العرف، ولم يرد معن بالجارية الأمَة؛ فإن إطلاقها على الأمة عرف حادث أيضاً، وإنما الجارية في اللغة: الفتية السن من النساء، وإنما أراد معن بالجارية السفينة.
قال في "القاموس": الجارية: الشمس، والسفينة، والنعمة من الله تعالى، وفَتِيَّة النساء (1)؛ لم يذكر فيها غير ذلك مع أنه يطلق المجازات كثيرًا في مطلق الحقائق، وفي كتاب الله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11]؛ قال ابن عباس: السفينة. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (2).
ومثله عن السدي. رواه سعيد بن منصور، وابن المنذر، وعليه إطلاق المفسرين (3).
ولو أراد معن بالجارية الأَمَة لورد على قوله: ولو علمت أن الله تعالى خلق مركوبًا غير هذا لحملتك عليه: السفينة، وقد قال الله تعالى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] ولما ركبوا في الفلك {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} [هود: 42].
وقال تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24]؛ فإن
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1639)(مادة: جري).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(29/ 54).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 267).
المراد بالجواري السفن بإجماع المفسرين، وهو جمع جارية.
وقال عمرة بن سعد رضي الله تعالى عنه: كنا مع علي رضي الله تعالى عنه على شط الفرات، فمرت سفينة، فقرأ هذه الآية:{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24]. رواه ابن المنذر، والمحاملي في "أماليه"(1).
ثمَّ العشق قال بعض الحكماء: اسم لما فضل عن المحبة، كما أن السَّرف: اسم لما جاوز الجود، والبخل: اسم لما نقص عن الاقتصاد (2).
ومن ثم كان العشق مذموماً، والمحبة ممدوحة، كما أن السرف والبخل مذمومان، والجود والاقتصاد ممدوحان.
ومن كلام عمر رضي الله تعالى عنه: لا يكن حبك كَلَفاً، وبغضك تلفاً (3).
ومدَحَ العشقَ قومٌ، وقالوا: إنه لا يكون إلا من لطيف الطبع دون جامده، وهو يجلو العقول ويصفي الأذهان.
والحق أنَّ المحبة والميل إلى الأشياء المستحسنة لا يذم، فإن زاد ذلك حتى يستأسر القلب ويملك العقل فهو مذموم، وقد أحب
(1) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(39/ 453).
(2)
رواه ابن الجوزي في "ذم الهوى" من قول للجاحظ.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(20269) ثمَّ بين عمر رضي الله عنه معنى ذلك فقال: "إذا أحببت فلا تكلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أن يتلف صاحبك ويهلك".
الأكابر من غير أن ينتهوا إلى الإفراط والغلبة، ولم يكن ذلك في حقهم عيباً، وكان الشعبي رحمه الله تعالى يقول:[من الطويل]
إِذا أَنْتَ لَمْ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدْرِ ما الْهَوَى
…
فَأَنْتَ وَعِيْرٌ في الْفَلاةِ سَواءُ (1)
وحيث قلنا: إنَّ الميل إلى المستحسنات غير مذموم فالمراد ما يستحسن شرعًا، فما لم يأذن فيه الشرع ليس بحسن أصلًا.
واعلم أن المحبة على قسمين:
- محبة عقل.
- ومحبة شخص.
فإن الميل إلى المحبوب تارة تكون داعيته وصول نفع دنيوي، أو أخروي من المحبوب إلى المحب، أو رجائه منه، وهذه محبة العقل؛ كميل المرء إلى أبويه، وأقاربه، وعشيرته.
وهي محمودة مطلقًا، ومنها محبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَحِبُّوا اللهَ لِما يَغْذُوْكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّوْني لِحُبِّ اللهِ إِيَّايَ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّيْ". رواه الترمذي، والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 328).
(2)
رواه الترمذي (3789) وقال: حسن غريب، والحاكم في "المستدرك"(4716).
وروى البيهقي في "الشعب" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفًا، وصححه، ورواه هو وأبو نعيم عنه مرفوعًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جُبِلَتِ القُلُوبُ عَلَى حبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْها، وَبُغْضِ مَنْ أَساءَ إِلَيْها"(1).
وتارة يكون ميل النفس إلى المحبوب لمجرد التجانس النفساني الذي هو بين روحيهما، أو لمجرد ميل الطباع إلى المحبوب وقضاء الوطر.
وهذا الميل إن كان إلى من يبيحه الشرع أو ما يبيحه، ولم يفرط فيه كان مقبولاً ممدوحاً، وهو المحبة المحمودة كمحبة الأنبياء عليهم السلام، والعلماء رحمهم الله تعالى لحلائلهم.
وإن كان إلى ما لا يبيحه الشرع كالأجنبية والأمرد إن كان مع الإفراط فيه كان مذموماً مردوداً، وهذا هو العشق المذموم، وأكثر ما يحصل للفارغين والبطَّالين من تكرار النظر وجَوَلان الفكر.
وقد اصطلح أكثر الناس على إطلاق العشق على ما كان مذمومًا، والحب على ما كان محموداً؛ وإن كان في الأصل كل منهما عبارة عن الميل.
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8983) موقوفًا وقال: هذا هو المحفوظ.
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8984)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 121) مرفوعاً.
وعليه قال الشيخ الوالد رحمه الله تعالى في كتاب "فصل الخطاب": [من الرجز]
والْعِشْقُ داءٌ عارِضٌ نَفْسانِي
…
أَكْثَرُهُ مُسْتَخْبَثٌ شَيْطانِي
يَحْدُثُ لِلْحَمْقَى وَلِلْجُهَّالِ
…
وَكُلِّ مُتْرَفٍ خَلِيِّ الْبالِ
مِنْ سَرَيانِ الْفِكْرِ في شَمائِلِ
…
ذاتٍ بِتَسْلِيطِ خَيالٍ باطِل
والْعِشْقُ مِقْدارٌ عَنِ الْحُبِّ فَضَلْ
…
يُخَبِّلُ الْعَقْلَ وَرُبَّما قَتَلْ
والْحُبُّ مَحْمودٌ شِعارُ الأَنْبياءْ
…
والْعُلَما والْعُقَلا والأَصْفِياءْ
ثمَّ اعلم أنَّ الميل إلى الصورة الحسنة طباع كل إنسان عربياً كان أو أعجمياً، غير أن العرب والعجم افترقا فيه، فغلب على العرب الميل إلى الإناث، وعلى العجم الميل إلى المذكور، والعرب في ذلك أقرب إلى الصواب من العجم لأنَّ الأنثى يمكن التوصل إليها بالنكاح مهما دعا عشقها إلى مواقعتها، بخلاف الذكر؛ فإنه لم تأذن شريعة قط في الاستمتاع به، ولذلك قال جماعة من العلماء: إن اللواط أفحش من الزنا.
ولا ريب أن من العشق ما ليس له دواء إلا النكاح، وهذا لا سبيل إليه في المذكور بوجه.
وقد روى ابن الجوزي في "ذم الهوى" عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! عندنا يتيمة قد خطبها رجلان موسر ومعسر، هي تهوى المعسر، ونحن نهوى الموسر، فقال صلى الله عليه وسلم:"لَمْ يُرَ لِلْمُتَحابَّينِ مِثْلُ النكاحِ"(1).
ورواه ابن ماجه، والحاكم وصححه، والبيهقيُّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بدون ذكر اليتيمة (2).
وأخرج الخرائطي في "اعتلال القلوب" حديث ابن عباس، ولفظه:"لَيْسَ لِلْمُتَحابَّيْنِ مِثْلُ النكاحِ".
وإنما غلب على العجم والروم هوى الغلمان لسخافة عقولهم، وميلهم إلى الرفاهية حيث أمكنتهم، ولباس الحرير، والزينة، وإلباس الغلمان ذلك حتى صاروا كالغواني، ومعاشرتهم لهم، واستخدامهم إياهم، وإطلاق النظر إليهم بخلاف العرب؛ فإن الغالب عليهم إيثار التفحل والخشونة على الرفاهية والزينة، فلذلك كان الميل إلى الغلمان في العجم أفشى منه في غيرهم، بل من عني بذلك من أبناء العرب
(1) رواه ابن الجوزي في "ذم الهوى"(ص: 601).
(2)
رواه ابن ماجه (1847)، والحاكم في "المستدرك"(2677)، والبيهقيُّ في "السنن الصغرى"(2333).