الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تَنْبِيْهٌ:
في مسائل يتوهم أنها شبيهة بما تقدم، وليس كذلك:
إحداها: رفع اليدين في الدعاء من حيث هو سنة، وهو من آداب الدعاء ولو عند دخول المسجد، وعند الخروج منه لا سيما بالمأثور، لكن لا يستحب له الوقوف، ورفع اليدين، واستقبال القبلة؛ لأنَّ هذه الهيئة هي التي من صنع اليهود.
وروى أبو داود بإسناد جيد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان إذا دخل المسجد قال:"أَعُوْذُ بِاللهِ العَظِيْمِ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيْمِ، وَبِسُلْطانِهِ القَدِيْمِ، مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيْمِ".
قال: "فَإِذا قالَ ذَلِكَ قالَ الشَّيْطانُ: حُفِظَ مِنِّي سائِرَ اليَوْمِ"(1).
وروى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه بأسانيد صحيحة، عن أبي حُميد، أو أبي أُسيد رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّي أَسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ"(2).
(1) رواه أبو داود (466) وحسن النوويّ إسناده في "خلاصة الأحكام"(1/ 314).
(2)
رواه أبو داود (465)، والنسائي (729)، وابن ماجه (772)، وعندهم:"فليسلم" بدل "فليصل".
والحديث في "مسلم" دون ذكر السلام (1).
زاد ابن السني في روايته: "وإذا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيْمِ"(2).
وروى ابن السني عن عبد الله بن الحسين، عن أبيه، عن جدته (3) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد حمد الله، وسمَّى، وقال:"اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وافْتَحْ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ"(4).
وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذا أَرادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ تَداعَتْ جُنُوْدُ إِبْلِيْسَ، وَأَجْلَبَتْ واجْتَمَعَتْ كَما يَجْتَمعُ النَّحْلُ عَلَى يَعْسُوْبِها، فَإِذا قَامَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنْ إِبْلِيْسَ وَجُنُوْدِهِ، فَإِنَّهُ إِذا قَالَهَا لَمْ تَضُرَّهُ"(5).
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: "بِسْمِ اللهِ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وإذا خَرَجَ قالَ: بَسْمِ
(1) رواه مسلم (713).
(2)
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 134) لكن كما في السنن دون الزيادة، وهو بهذه الزيادة عنده (ص: 77) لكن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
عند ابن السني: "عبد الله بن الحسن عن أمه عن جدتها" بدل "عبد الله بن الحسين عن أمه عن جدته".
(4)
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 78).
(5)
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 133).
اللهِ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمدٍ" (1).
الثانية: قال علماؤنا الشافعية، وغيرهم: يستحب للعبد حين يرى الكعبة شرفها الله تعالى -قال القاضي زكريا، وغيره: أو يصل إلى محلّ رؤيتها وإن لم يرها لِعمى، أو ظلمة، أو نحوهما- أن يرفع يديه ويدعو بالدعاء المأثور، وبما أحب.
قالوا: والداخل إلى مكة من الثنية العليا يراه من رأس الجبل فيقف ويدعو.
وكان الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا يرى ذلك (2).
وروى الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: "اللهُمَّ زِدْ هَذَا البَيْتَ تَشْرِيْفًا وَتَكْرِيْمًا، وَتَعْظِيْمًا وَمَهابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ تَشْرِيْفًا وَتَكْرِيْمًا، وَتَعْظِيْمًا وَمَهابَةً وَبِرًّا"(3).
قال الشافعي: ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء؛ فلا أكرهه ولا أستحبه.
قال البيهقي: وكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه لأنه معضل
(1) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 80).
(2)
انظر: "الأم" للشافعي (2/ 220)، و"الكافي في فقه أهل المدينة" لابن عبد البر (ص: 139).
(3)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 125)، وكذا البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 73) وقال: هذا منقطع، وله شاهد مرسل عن مكحول.
بين ابن جريج والنبي صلى الله عليه وسلم.
وروي هذا الحديث من طرق أخرى كلها واهية، وأكثرها منقطع (1).
وفي "سنن أبي داود" عن المهاجر المكي قال: سئل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن الرجل يرى البيت فيرفع يديه، فقال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا إلا اليهود، وقد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله (2).
الثالثة: الوقوف عند رأس الردم، وهو المعروف بالمدعى من صنع إبراهيم عليه السلام.
روى الأئمة الحفاظ: عبد الرزاق، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وآخرون عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما اتخذ الناس المناطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة، ثمَّ جاء إبراهيم بها وبابنها إسماعيل عليهم السلام وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندها جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثمَّ قفى إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل عليهم السلام، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا في هذا الموضع الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟
فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: الله أمرك بهذا؟
(1) انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (4/ 48).
(2)
رواه أبو داود (1870)، وكذا النسائيُّ (2895).
قال: نعم.
قالت: إذًا لا يضيعنا.
ثمَّ رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثَّنِيَّة حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثمَّ دعا بهذه الدعوات، ورفع يديه، فقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} إلى قوله: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37](1).
قلت: وهذا الحديث كافٍ للاستدلال على استحباب رفع اليدين عند الدعاء بالمدعى، وبغيره لأنه من فعل إبراهيم عليه السلام، ونحن مأمورون باتباع ملته (2).
الرابعة: خلع النعلين عند باب المسجد، وعند الدخول إلى الحرم لا بأس به، وبالنية الصالحة فيكون مستحبًا، وهو متعين إذا كان فيهما قَذَرٌ أو نجس -وإن كان من فعل بني إسرائيل- لأنه من فعل الأنبياء عليهم السلام.
قال الله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12].
أمر بذلك ليفعله أدبًا، وتواضعًا، وتبركًا بإمساس بشرة قدميه الوادي المقدس كما قيل:[من الطويل]
(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(9107)، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 347)، والبخاري (3184)، وعندهم:"النساء" بدل "الناس".
(2)
على أنَّه مقيَّد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
وَنَمْشِي حُفاةً في ثَراها تَأَدُّبًا
…
نَرَى أَنَّنا نَمْشِي بِوادٍ مُقَدَّسِ وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: كانت الأنبياء عليهم السلام
إذا أتوا عَلَم الحرم نزعوا نعالهم (1).
وروى هو والأزرقي في "تاريخ مكة" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعالها تعظيمًا للحرم (2).
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن مجاهد قال: كان يحج من بني إسرائيل مئة ألف، فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم، ثمَّ دخلوا الحرم حفاة (3).
وروى الأزرقي، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيمًا للحرم (4).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(13803).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(13802)، والأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 131).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 298).
(4)
رواه الأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 137)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(68/ 70).