الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَ: كَلَاّ وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ.
فَقَالَ عِيْسَى: آمَنْتُ بِاللهِ وَكَذَبَتْ عَيْني" (1).
وهذا الخلق عزيز جداً، وضده -وهو الوقوع في الناس بالتهمة وسوء الظن- قلَّ من يسلم منه الآن إلا أفراد في العالَم، بل ربما سرق لأحدهم شيء فَتحرجَ عن الاتهام، فبادر كثير من الناس إلى إيقاعه في التهمة لجاره، أو خادمه ونحوهما، وهذا ليس من الديانة في شيء.
وبعضهم يقول لمن يشكو إليه من بلاءً أو محنة بظالم أو حاكم، فيقول له: لعل فلانًا وشى بك ونمَّ عليك، فينبهه لتهمة الناس والغضب منهم، فيوقعه فوق بلائه في بلاءً آخر، وغم زائد على ما عنده، وربما كان بعضهم واقعًا في مثل ما اتهم به أخاه المسلم، وهو أعظم جرمًا وأكبر إثماً.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112].
195 - ومن أخلاق بني إسرائيل: المحاباة في الحدود
.
روى النسائي -وأصله متفق عليه- عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنَّ امرأة سرقت فأُتيَ بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: من يجترئ على
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 314)، والبخاري (3260)، ومسلم (2368)، والنسائي (5427)، وابن ماجه (2102).
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون أسامة؟ فكلموا أسامة رضي الله تعالى عنه، فكلمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يَا أُسَامَةُ! إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرائِيْلَ حِيْنَ كَانَ إِذَا أَصَابَ الشَّرِيْفُ فِيْهِمُ الْحَدَّ تَرَكُوْهُ وَلَمْ يُقِيْمُوْا عَلَيْهِ، وإذَا أَصَابَ الوَضِيع أقامُوا عَلَيْهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُهَا"(1).
وروى مسلم عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محممًا مجلودًا، فدعاهم فقال:"هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي في كِتَابِكُمْ؟ "
قالوا: نعم.
فدعا رجلًا من علمائهم، فقال:"أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوْسَى! أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي؟ "
قال: لا، ولولا أنك ناشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد؛ قلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا الجلد والتحميم مكان الرجم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ".
فأمر به فرجم، فأنزل الله تعالى:{لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إلى قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41].
يقول: ائتوا محمدًا؛ فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن
(1) رواه النسائي (4894)، وأصله في البخاري (3526)، ومسلم (1688).
أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47](1).
وروى البزار - وأصله عند أبي داود - عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: جاءت اليهود برجل وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ائتوْني بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ".
فأتوه بابني صُوريا، فقال:"أَنتمَا أُعْلَمُ مَنْ وَرَاءكمَا؟ ".
فقالا: كذلك يزعمون.
فناشدهما بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام: "كَيْفَ تَجِدُوْنَ أَمْرَ هَذَيْنِ في تَوْرَاةِ اللهِ تَعَالَى؟ ".
قالا: نجد في التوراة: إذا وجد الرجل مع المرأة في بيت فهي ريبة فيها عقوبة، أو على بطنها فهي ريبة فيها عقوبة، فإذا شهد أربعة أنهم نظروا إليه مثل الميل في المكحلة فارجموه.
قال: "مَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوْهُمَا؟ ".
فقالا: ذهب سلطاننا، فكرهنا القتل.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فشهدوا،
(1) رواه مسلم (1700).
فأمر برجمهما (1).
وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد زنيا جميعًا، فقال لهم:"مَا تَجِدُونَ في كِتَابِكُمْ؟ "
قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبيه.
فقال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم، وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها.
فقال له ابن سلام: ارفع يدك؛ فإن آية الرجم تحت يدك.
فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما.
قال ابن عمر: فرأيت اليهودي أَحْنى عليها.
وفي رواية: فرأيت اليهودي يَحْني على المرأة يقيها الحجارة.
وتحميم الوجه: تسويده (2).
والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما؛ كما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (3).
وقيل: على حمارين وتحول وجوههما من قبل دبر الحمار، ويطاف بهما؛ كما ذكره الثعلبي عن المفسرين (4).
(1) ورواه أبو داود (4452).
(2)
رواه البخاري (3436)، ومسلم (1699).
(3)
رواه أبو داود (4450).
(4)
انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 64)، ورواه الطبري في "التفسير"(6/ 232) عن أبي هريرة رضي الله عنه.