الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقينا كريب بن إبراهيم راكبًا وراءه غلام له، فقال: سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقول: لا يزال العبد يزداد من الله بعداً كلما مشي خلفه (1).
30 - من أخلاق الأعاجم والأروام: قيام بعضهم لبعض على سبيل الإعظام، ومحبتهم لأنَّ يقام لهم، وقيام الخدم بين يدي المخدوم وعلى رأسه، وكل ذلك مكروه
.
روى أبو داود، وابن ماجه بإسناد حسن، عن أبي إمامة رضي الله تعالى عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا، فقمنا إليه، فقال:"لا تَقُوْمُوْا كَما يَقُوْمُ الأَعاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً"(2).
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُمْ عَظَّمُوا مُلُوْكَهُمْ بِأَنْ قامُوا وَقَعَدُوْا"(3).
وصحح الترمذي عنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم رؤيةً من
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 221).
(2)
رواه أبو داود (5230) واللفظ له، وابن ماجه (3836). نقل الحافظ في "الفتح" (11/ 50) عن الطبري: أنه حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(6/ 382). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 40): وفيه الحسن بن قتيبة، وهو متروك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك (1).
وروى أبو داود، والترمذي وحسنه، عن معاوية رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجالُ قِياماً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"(2).
ورواه ابن جرير الطبري، ولفظه:"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِمَّ لَهُ بَنُو آدَمَ قيَامًا دَخَلَ النَّارَ".
وقال: الاستجمام: الوثوب، انتهى (3).
وهو بالجيم، وفسره صاحب "النهاية"، والسيوطي في "مختصرها" باجتماع الناس له في القيام، واحتباس أنفسهم عليه؛ قال: ويروى بالخاء المعجمة (4).
وروى الحديث ابن جرير، والطبراني في "الكبير" بلفظ:"مَنْ سرَّهُ إِذَا رَأَتْهُ الرِّجالُ مُقْبِلًا أَنْ يَمْثُلُوْا لَهُ قِيامًا فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا مِنَ النَّارِ"(5).
(1) رواه الترمذي (2754) وصححه.
(2)
رواه أبو داود (5229)، والترمذي (2755) وحسنه.
(3)
ورواه بهذا اللفظ البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"(ص: 403)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(13/ 193).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 301).
(5)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 320).
ورواه الحاكم في "تاريخه"، ولفظه:"بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً في النَّارِ"(1).
قال البغوي، والغزالي، والنووي، وغيرهم: القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على سبيل الإكرام (2).
بل قال النووي باستحبابه لأهل العلم والدين والولاية على سبيل الإكرام والاحترام، لا على سبيل الرياء والإعظام، وألف فيه جزءه المشهور، وأنشد فيه عن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى:[من المتقارب]
فَلَمَّا بَصُرْنا بِهِ مُقْبِلًا
…
حَلَلْنا الْحبا وابْتَدَيْنا الْقِياما
فَلا تُنْكِرَنَّ قِيامِي لَهُ
…
فَإِنَّ الْكَرِيْمَ يُجِلُّ الْكِراما (3)
وأنشد فيه أيضًا: [من الوافر]
قِيامِي وَالْعَزِيْزِ إِلَيْكَ حَقٌّ
…
وَتَرْكُ الْحَقِّ ما لا يَسْتَقِيْمُ
فَهَلْ أَحَدٌ لَهُ عَقْلٌ وَلُبٌّ
…
وَمَعْرِفَةٌ يَراكَ وَلا يَقُوْمُ (4)
قلت: والفرق بين ما كان للإكرام وما كان للإعظام أن الإكرام
(1) وبهذا اللفظ رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(31/ 217).
(2)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (11/ 92)، "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 205)، و"روضة الطالبين" للنووي (10/ 236).
(3)
انظر: "الترخيص في الإكرام بالقيام" للنووي (ص: 50).
(4)
انظر: "الترخيص في الإكرام بالقيام" للنووي (ص: 74).
إنزال المكرم في منزلته لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَنْزِلُوْا النَّاسَ مَنازِلَهُمْ"(1)،
والإعظام أن ترفعه عن منزلته، ومن ثم كان استحباب القيام مقيدًا بأن يكون لأهل العلم والدين والولاية.
وفي الحديث: "لا يَقُوْمُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ إِلَّا لِبَنِي هاشِمٍ".
أخرجه الحافظ الخطيب عن أبي أمامة (2).
وفي لفظ آخر: "يَقُوْمُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ لأَخِيْهِ إِلَّا بَنِيْ هَاشِمَ لا يَقُوْمُوْنَ لأَحَدٍ"(3).
فإن كان القيام لمن ليس أهل له كان مكروهاً، فإن كان على سبيل الخضوع والتذلل كما يقوم العبد في العبادة فهذا أولى بأن يقطع ويتحرَّى، وهو المشار إليه في الحديث بأنه كان سببًا في هلاك الأمم.
- ومن آداب الأعاجم والأروام المخالفة للسنة: انحناؤهم لملوكهم، والاكتفاء بذلك عن السلام، وكذلك تقبيل أذيالهم، وتقبيل الأرض بين أيديهم، ووضع اليدين على الصدر عندهم كما يفعل المصلي، وفعل ذلك إذا شرب كبيرهم مع القيام، فإذا فرغ انحنوا له،
(1) رواه أبو داود (4842) عن عائشة رضي الله عنها، وقال: ميمون لم يدرك عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(3/ 88).
(3)
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7946). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 40): فيه جعفر بن زبير متروك.
وقيام الخادم إذا عطس المخدوم عوضاً عن التشميت، وكذلك القيام عند أكل المخدوم أو شربه والخادم حامل للقلة أو للصحفة وغيرها.
كل ذلك من آداب الأعاجم التي تخالف السنة، فيتعين اجتنابها.
قال ابن الحاج في "المدخل" في آداب الأكل: وينبغي له أن يتحرز من الأكل وأحد قائم على رأسه إذ ذاك، فإنه من البدع والتشبه بالأعاجم إن سلم من وجوه الكبر.
قال: وكثير من يفعل اليوم هذا، سيما إذا كان الذباب كثيرًا، فيقوم شخص على رؤوس الأكابر فينشر عليهم ويروح.
قال: وهذا من البدع؛ فإن اضطر إلى ذلك فليكن فاعله جالسًا حتى يسلم من التشبه بالأعاجم، ومن الخيلاء والكبر، انتهى (1).
وروى المعافى بن زكريا في "الأنيس والجليس" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قد: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم السوق قال: نقعد إلى البزازين، فاشترى سراويل بأربعة دراهم، قال: وكان لأهل السوق رجل يزن بينهم الدراهم يقال له: فلان الوزان، فدعا به ليزن ثمن السراويل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أَزِنْ وَأَرْجِحْ".
قال: فقال الرجل: إن هذا لقول ما سمعته من أحد فمن أنت؟
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فقلت: حسبك من الرهق، وكفى في دينك
(1) انظر: "المدخل" لابن الحاج (1/ 217).