الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الألف استخفافاً" (1).
وجعل في "القاموس" من المثال من مادة (وعم)، وهو الظاهر، فقال: وعم الديار كوعد وورث: قال لها: أنعمي، [ومنه: عِمْ] صباحاً ومساءاً وظلاماً (2).
35 - ومن قبائح الجاهلية: إدمان شرب الخمر
.
روى الطبراني بإسناد صحيح، وصححه عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن أبا بكر، وعمر، وناساً كانوا جلوساً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أسأله، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه جميعاً حتى أتوه في داره، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرائِيلَ أَخَذَ رَجُلاً فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْساً، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ، أَوْ يَقْتُلُوهُ، فَاخْتارَ الْخَمْرَ، وَإِنَّهُ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرادُوهُ مِنْهُ".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ أَحَدٍ شَرِبَها فَتُقْبَلَ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلةً، وَلا يَمُوتُ وَفِي مَثانَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَاّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِها عَلَيْهِ الْجَنَّة؛
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2043 - 2044)، (مادة: نعم)، وعنده:"نزه نزهة" بدل "كره كرهة".
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1507)(مادة: وعم).
فَإِنْ ماتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلةً ماتَ مِيْتةً جاهِلِيَّةً" (1).
وقد تواردت الأخبار بأن جماعة حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية لما رأوا فيها من القبائح المخلة بالمروءة لأنه يخامر العقل، ويتلف المال، ويكون صاحبه ضحكة للصبيان، وأميراً للذبان، وطريحاً للقمامات، وجليساً للعاويات، وهو قيء في شدقه، وسلح على عقبه (2).
وهذا عجيب أن يكون من الجاهلية من تنزه عن الخمر لهذه القبائح، ويكون من أهل الإيمان من يدمن شربها، ويلازم كأسها وتعبها.
كلا لقد باعد صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم ما بين شاربها وبين الإيمان، وألحق من يدمن شربها بعبدة الأوثان.
قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ زَنىَ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ نَزَعَ اللهُ مِنْهُ الإِيْمانَ كَما يَخْلَعُ الإِنْسانُ الْقَمِيصَ مِنْ رَأْسِهِ". رواه الحاكم (3).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(363). وكذا الحاكم في "المستدرك"(7236). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 68): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، خلا صالح بن داود التمار، وهو ثقة.
(2)
انظر: "ذم المسكر" لابن أبي الدنيا (ص: 76).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(57).
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لقِيَ اللهَ وَهُوَ مُدْمِنُ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعابِدِ وَثَنٍ". رواه ابن حبان في "صحيحه"(1).
وممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية قيس بن عاصم المنقري رضي الله تعالى عنه؛ كان في جاهليته شريباً، ثم حرم الخمر على نفسه، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويه، ولقي القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمَّار كثيراً من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه، وقال فيها:[من الوافر]
رَأَيْتُ الْخَمْرَ صالِحَةً وَفِيها
…
خِصالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الْحَلِيما
فَلا وَاللهِ أَشْرَبُها صَحِيحاً
…
وَلا أُشْفَى بِها أَبَداً سَقِيما
وَلا أُعْطِي بِها ثَمَناً حَياتِي
…
وَلا أَدْعُو لَها أَبَداً نَدِيْما
فَإِنَّ الْخَمْر تَفْضَحُ شارِبِيها
…
وَتُجْنِيهِمْ بِها الأَمْرَ الْعَظِيما (2)
وقال عامر بن الظَّرِب العُدواني، وكان من حكام العرب وخطبائها، وكان ممن حرَّم الخمر من أهل الجاهلية، وقال فيها:[من البسيط]
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(5347). قال ابن عدي في "الكامل"(4/ 209): عبد اللُّه بن خراش بن حوشب عن عمه العوام بن حوشب، قال البخاري: منكر الحديث.
(2)
انظر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر (3/ 1295).
إِنْ أَشْرَبِ الْخَمْرَ أَشْرَبْها لِلَذَّتِها
…
وإِنْ أَدَعْها فَإِنِّي ماقِتٌ قالِي
لَوْلا اللَّذاذَةُ وَالْهَيَمانُ لَمْ أَرَها
…
وَلا رَأتْنِي إِلَاّ مِنْ مُدًى عالِي
سَآَّلَةٌ لِلْفَتى ما لَيْسَ فِي يَدهِ
…
ذَهَّابَة بِعُقولِ الْقَومِ وَالْمالِ
تُوْرِثُ الْقَوْمَ أَصْعاباً بِآخِرَةٍ
…
دَرَّاءَةٌ بِالْفَتَى ذِي النَّجْدَةِ الْخالِي
أَقْسَمْتُ بِاللهِ أُسْقاها وَأَشْرَبُها
…
حَتَّى يَفْرُقَ تُربُ الأَرْضِ أَوْصالِي (1)
أي: لا أسقاها وأشربها، فحذف حرف النفي، ولو كان الفعل مثبتاً لجاء بنون التوكيد، والعرب تحذف حرف النفي كثيراً بعد القسم.
والخمر مؤنثة، وقد تذكر، ويقال: خمرة.
واعلم أن من مدح الخمر، أو حسَّن شربها لأحد، أو ألف في مدحها كتاباً أو قافية، أو حضر مجلس شربها مختاراً مطلقاً، أو غير مختار، وأمكنه الإنكار ولم ينكر، أو أقر شاربيها عليها، لقي الله تعالى يوم القيامة ولا حجة له.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَجْلِسْ عَلى مائِدَةٍ شُرِبَ عَلَيْها الْخَمْرُ". رواه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (2).
(1) انظر: "ذم المسكر" لابن أبي الدنيا (ص: 72).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11462). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 279): وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني، ضعفه البخاري وأبو حاتم، ووثقه ابن حبان.