الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعظم: الإلية، وشحم القوائم، والجنب، والرأس، والعين، والأذن، وما عداها؛ فهذه المستثنيات حلال لهم من الثرب، وشحم الكلية، وكل شيء كان كذلك فهو حرام عليهم.
وإنما حرمت عليهم هذه الطيبات عقوبة لهم بسبب بغيهم، ثمَّ لم يرجعوا عن البغي فباعوا ما حرم عليهم، وكلوا ثمنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ؛ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُوْمُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا ثَمَنَها". رواه الشيخان (1).
156 - ومن أعمال النصارى: أكل لحم الخنزير، والميتة، والدم المسفوح
.
ولا يجوز في شريعتنا شيء من ذلك إلا في حالة الاضطرار.
وقد سبق أن النصارى يأكلون ما ذبح بالظفر، وهو ميتة.
وروى ابن سعد في "الطبقات" عن الأزرق بن قيس قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران والعاقب، فعرض عليهما الإِسلام، فقال: إنا كنا مسلمين قبلك.
قال: "كَذَبْتُما؛ إِنَّه مَنَعَكُمَا مِنْ الإسْلامِ ثَلاثٌ: قَوْلُكُما: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَكْلُكُمَا لَحْمَ الْخِنْزِيْرِ، وَسُجُودُكُما لِلصَّنَمِ"(2).
(1) رواه البخاري (2121)، ومسلم (1581) عن جابر رضي الله عنه.
(2)
وانظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (3/ 115).
وروى الحاكم وصححه، وأبو نعيم في "الدلائل" عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد، فدعاهما إلى الإِسلام، فقالا: أسلمنا يا محمَّد.
قال: "كَذَبْتُمَا، إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا ما يَمْنَعُكُمَا مِنَ الإِسْلامِ".
قالا: فهات.
قال: "حُبُّ الطِّيْبِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِيْرِ"(1).
قلت: روى أبو نعيم في "الحلية" عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: أُتي برجل من أفضل أهل زمانه إلى ملك كان يفتن الناس على أكل لحوم الخنازير، فلما أُتي به استعظم الناس مكانه، وهالهم أمره، فقال له صاحب شرطة الملك: ائتني بِجَدْي، فذبحه مما يحل لك أكله، فأعطنيه؛ فإن الملك إذا دعا بلحم الخنزير أتيتك به، فأتى صاحب الشرطة باللحم الذي كان أعطاه لحم الجَدْي، فأمره الملك أن يأكل منه، فأبى، فجعل صاحب الشرطة يغمز إليه، ويأمره بأكله، ويريه أنَّه اللحم الذي دفعه إليه، فأبى أن يأكله، فأمر الملك صاحب الشرطة أن يقتله، فلما ذهب به قال له: ما يمنعك أن تأكل وهو اللحم الذي دفعت إلي؟ أظننت أني أتيتك بغيره؟
قال: قد علمت أنَّه هو، ولكن خفت أن يقتاس الناس به، فكلما
(1) رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 339)، وكذا الآجري في "الشريعة"(5/ 2201)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (2/ 230).
أريد أحد على أكل لحم الخنزير قال: قد أكله فلان، فيقتاس الناس بي، فأكون فتنة لهم.
قال: فقتل (1).
قلت: رحم الله هذا الرجل؛ ما أعظم أجرَه عند الله! وما فعله أولى ما يُطلب من العالم المقتدى به، فلا ترى الناس للعالم في شيء أطوع منهم له في رخصة أو معصية يدعوهم إليه، أو يعمل بها بمحضرهم كما عمت البلوى الآن ممن ينسبون إلى العلم، فيخالطون الحكام الظلمة، ويأكلون من أموالهم، ويمالونهم، ويلبسون الحرير، ويفرشونه، أو يأكلون ما لا يحل لهم، ويشربون ما حرم الله عليهم، فإذا بينت تحريم شيء من ذلك لبعض العامة، قال لك: ما بال فلان يفعله أو يقره؟
ومن ثمَّ قيل: إذا زل عالِم زل بزلته عالَم.
على أن ذلك ليس من الزلة، بل من باب الفسق والجرأة على الله تعالى، فعسى الله تعالى أن يحببنا إليه ببغض هؤلاء، ويثيبنا على غيظنا عليهم، إنه على كل شيء قدير.
ولقد قلت: [من السريع]
وَاللهِ ما الْعالِمُ بِالْفاسِقِ
…
وَلا بِنَذْلٍ بِالْخنا ناطِقِ
وَلا بِمَنْ يَبْغِي وَيسْطُو عَلى
…
إِخْوانِهِ كَسَطْوَةِ الْباشِقِ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 55).